السبت، 1 أغسطس 2015

الإجماع على كفر تارك الصلاة

الإجماع على كفر تارك الصلاة

والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد 
 
ما نقله غير واحد من العلماء إجماع الصحابة على ذلك، ولم أقف على قول أحد منهم يطعن في ذلك، ولو وُجد ذلك عن بعضهم؛ فالمثبت مقدم على النافي، لا سيما في مثل هذا الموضع، الذي تحفه كل هذه القرائن، فمن هؤلاء العلماء الذين أثبتوا إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة:
1- ما أخرجه المروزي في "الصلاة" (2/925/978): ثنا محمد بن يحيى ثنا أبوالنعمان ثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: تَرْكُ الصلاة كُفْر، لا يُختلَفُ فيه.اهـ
وهذا سند رجاله ثقات، إلا أن أبا النعمان وهو محمد بن الفضل السدوسي، الملقب بعارم، ثقة تغير بأخرة، وقد روى عنه الذهلي قبل الإختلاط، انظر حاشية "كتاب المختلطين" للعلائي ص (117،119) فقد نقل المحققان عن ابن الصلاح والسخاوي ذلك.
2- ما أخرجه المروزي في "الصلاة" (2/929/990): سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله e أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم، من لدن النبي e إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدًا، من غير عذر، حتى يذهب وقتها كافر.اهـ
وزاد ابن عبدالبر في "التمهيد" (4/225-226): إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها،..... ثم ذكر تفسير إسحاق لذهاب الوقت.
3- قال المروزي في "الصلاة" (2/925): ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك، ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك في تأويل ما رُوى عن النبي e، ثم عن الصحابة رضي الله عنهم في إكفار تاركها .....اá ومعلوم أن محمد بن نصر المروزي من أهل الاستقراء التام، والمعرفة الواسعة بأقوال أهل العلم، ومواضع الإجماع والنِّزاع، كما صرح بذلك أبوبكر الخطيب، فقد قال: كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام.اهـ
قال الذهبي مؤيدًا ذلك: يقال: إنه كان أعلم الأئمة باختلاف العلماء على الإطلاق.اهـ من "النبلاء" (14/34)
وانظر "تاريخ بغداد" (3/315) ترجمة محمد بن نصر المروزي الفقيه أبي عبدالله.
4- وقد حكاه المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/393) عن ابن حزم، وقد ذكر جماعة من الصحابة على كفر تارك الصلاة، وقال: ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفًا.اهـ
والذي رأيته في "المحلى" (2/242) أن هذا الكلام ليس واردًا في مسألة تكفير تارك الصلاة، وقد وجدت شيخنا الألباني رحمه الله قد نبه على ذلك أيضًا في"صحيح الترغيب والترهيب" (1/235).
5- قال شيخ الإسلام في "شرح العمدة" (2/75): ولأن هذا إجماع الصحابة، وذكر قول عمر: "لا حظ في الإسلام، لمن ترك الصلاة" أو "لا إسلام لمن لم يصل" قال: وهذا بمحضر من الصحابة....اهـ وإن كان للمخالف وجه لتعقب ذلك.
6- نقل ابن القيم في"الصلاة" ص(67) إجماع الصحابة على ذلك، لقول عمر بمحضر الصحابة دون إنكار عليه : "لا إسلام لمن ترك الصلاة" أو "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
هـ - أننا لم نظفر بأي رجل من الصحابة، خالف ما ادعاه هؤلاء العلماء من إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، حتى نرد على عبدالله ابن شقيق قوله، بل وجدنا كلام جابر رضي الله عنه الذي يؤيده ويعزره، فكيف تُتْرك كل هذه البراهين، ويسمع بعد ذلك إلى ما يؤدي إلى زعزعة الثقة في دعوى الإجماع، مع أننا نقبل كثيرًا من دعاوى الإجماع، بما هو دون ذلك؟
! فإن اعْتُرِض على ذلك: بأن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما لم يلق جميع الصحابة، ولعله قد خفي عليه قول بعضهم بعدم التكفير. لا سيما والصحابة ألوف كثيرة.
فالجواب: لو طرد ذلك القول؛ لما صح لنا إجماع في الدنيا، فإذا كان الصحابي لا يُقبل قوله بدعوى الإجماع؛ فمن الذي سيُقبل قوله؟!
ثم دع عنك: "لعل" واجعلها وراء النجم، فالأصل أن دعوى العالم فضلاً عن الصحابي بالإجماع؛ دعوى مقبولة، حتى يظهر خلافها، ولم يستطع القائلون بعدم التكفير؛ أن يظفروا بصحابي واحد يقول بقولهم، بل ولم يصح لهم عن التابعين عن أحد غير الزهري، وهو من صغار التابعين، فكيف يُستدل على هذا القول بأن جابرًا رضي الله عنه قد فاتته بعض الأحكام زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر، وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما حتى نهاهم عمر، فانتهوا؟! وهذا إنما اعتمدناه للدليل الذي وقفنا عليه، فأين الدليل الدال على خطأ جابر في موضع النزاع هنا؟ وكيف يُردُّ قول جابر، بمثل هذا القياس الفاسد؟ والله المستعان.
= فإن اْعتُرِض على ذلك: بأن ابن أبي شيبة قد أخرج في"الإيمان" (22) برقم (31): ثنا وكيع عن عمر بن منبه عن سوار بن شبيب قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إن ها هنا قومًا يشهدون علىّ بالكفر، قال: فقال: ألا تقول: لا إله إلا الله، فتكذبهم.اهـ

وهذا إسناد صحيح، قد وثق ابن معين عمر بن منبه، وهو عمر بن مزيد بن منبه، ووثق أيضًا سوار بن شبيب، انظر "الجرح والتعديل" (4/270)، (6/135) ووكيع إمام مشهور، فهذا يدل على أن ابن عمر يحكم بالإسلام لمن قال: لا إله إلا اله وإن لم يصلِّ ؛ هذا وجه استدلال من اعترض بذلك.
فالجواب: ليس في هذا الأثر: أن ترك الصلاة ليس كفرًا، فإن هذا الأثر كغيره من الأحاديث المطلقة الواردة في عصمة دم من قال: لا إله إلا الله، وكذلك الحكم بإسلام من قال: لا إله إلا الله، أو دخوله الجنة، وسيأتي معنى هذه الأحاديث، في أدلة من لم يكفّر تارك الصلاة، ولم يفهم من سبق ذكرهم ممن ادعى الإجماع؛ أن ابن عمر بهذا النص قد خالف الإجماع!!
وأيضًا فلم يذكر ابن عمر هنا عمل القلب، الذي منه ما هو أصل للإيمان، ولا يصح الإسلام بدونه، وجوابكم على هذا، هو جوابنا على قولكم في الصلاة، إلا أنه قد يقال: المقام في الحكم الدينوي لا الأخروى، ويُضاف إلى ذلك: أن ابن عمر يقصد بقوله: أن من قال: لا إله إلا الله، ولم يقع في الشرك، وقد ثبت أن ترك الصلاة شرك، وكما أن قول لا إله إلا الله، لا ينفع من وقع في شرك الجحود أو التكذيب أو الإباء والأستكبار....
ونحو ذلك، فكذلك من قال: لا إله إلا الله، وترك الصلاة، فلا ينفق قوله هذا، وأي جواب لكم في حق الجاحد، هو خروج عن ظاهر أثر ابن عمر، وهو أيضًا جواب لمن كفَّر تارك الصلاة على أثر ابن عمر، ثم يقال أيضًا: هل أثر ابن عمر ظاهر الدلالة على قولكم، كما أن الأدلة المرفوعة صريحة على قول مخالفيكم، وكما أن الإجماع صريحة على خلاف قولكم؟
ولا أظن أن أحدًا يقول: إن اثر ابن عمر ظاهر أو صريح الدلالة على قولنا، فإذا كان ذلك كذلك، فالدلالة الظاهرة فضلاً عن الصريحة مقدمة على الدلالة الخفية المحتملة، والله أعلم.
= وإن اْعتُرِض على ذلك أيضًا: بجواب حذيفة على صلة بن زفر، وأن ذلك يدل على أن حذيفة لا يرى تكفير تارك الصلاة؛ فسيأتي الجواب عليه إن شاء الله تعالى في الكلام على أدلة من لم يكفر تارك الصلاة، وفي الكلام على مذاهب الصحابة، وسيظهر هنالك إن شاء الله تعالى ضعف هذا القول، وأن هذا الأثر أشبه بباب العذر بالجهل، لا بهذا الباب، والله أعلم.
= وإن اعْتُرِض على ذلك أيضًا: بأن من روى من الصحابة الأحاديث التي استدل بها من لم يكفِّر تارك الصلاة؛ فهو قائل بعدم التكفير، خارق للإجماع.
فالجواب: أن هذا كلام غير مسلَّم به، فمتى كانت الرواية مذهبًا للراوي؟!
فأهل السنة يروون مالهم وما عليهم، ولو سلمنا على أسوأ الأحوال بهذا في الجملة، فليس له وجه هنا، لتصريح جابر وعبدالله بن شقيق العقيلي، ومن سبق ذكرهم، بإجماع الصحابة على خلاف ذلك، فكيف نترك هذا الأمر الرشيد، لمثل هذا الفهم البعيد؟!
= وأيضًا: فقد يُستدل على نفي الإجماع في هذا الباب، بقول ابن المنذر في "الإجماع" ص (179): كتاب الساحر والساحرة، كتاب تارك الصلاة، لم أجد فيهما إجماعًا.اهـ
فالجواب: أن هذا الكلام مع كونه غير صريح في موضع النزاع؛ فهو مردود بقول من ادعى الإجماع، وهم أعلى وأعلم من ابن المنذر، ومن علم؛ حجة على من لم يعلم، والله تعالى أعلم.
= فإن قيل: إن كلام إسحاق ليس دالاً على الإجماع، لما زاده عنه ابن عبدالبر في "التمهيد" (4/225-226): "إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها".اهـ
وأن ذلك يدل على أن كفره للإمتناع والإباء، لا لمجرد الترك.
فالجواب على ذلك من وجوه:
1- أن الذي نُقِلَ عن إسحاق بالسند الصحيح عند المروزي، ليس فيه هذه الزيادة؛ فلا بد من معرفة سند هذه الزيادة أولاً، ثم بعد ذلك، ننظر في فقهها، وفي حاشية "الصلاة" للمروزي أن ابن القيم والمنذري نقلا هذا النص بدون زيادة عن المروزي عن إسحاق، ونبه المحقق حفظه الله على أن ابن عبدالبر، زاد هذه الزيادة، فهذا كله يورث الريبة في نسبة هذه الزيادة لإسحاق.
2- لو فرضنا صحة ذلك؛ فهل يلزم من قول إسحاق: "إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها" أن الرجل غير مقر بوجوبها؟ أو أنه مقر بوجوبها، إلا أنه غير ملتزم بها؟ بمعنى أنه غير مسلّم بأنها لازمة له، وإن أقر بوجوبها على غيره؟! ليس في كلام إسحاق ما يدل على هذا، إنما معناه: أنه أصر على عدم القضاء، أو عدم الصلاة أصلاً، ولا يلزم أن يصحب ذلك اعتقاد عدم الوجوب، أو عدم الإلتزام بالصلاة، أو يحمل على أنه رضي بالقتل، وهذا أمر آخر.
3- ومما يزيد ذلك وضوحًا؛ أن إسحاق نفسه أنكر على من أوّل كلام ابن المبارك في تكفير تارك الصلاة، عندما قال ابن المبارك: إن تارك الصلاة أكفر من الحمار، فأوله بعضهم بأن ذلك محمول على الرد، فقال إسحاق:
فقلنا لهم: فالراد للفرائض كلها يكفر؟.... إلى أن قال: فهذا نقض لدعواه في الصلاة.اá من "الصلاة" للمروزي (2/997-998)، فكيف يقال بعد ذلك: إن إسحاق ينقل الإجماع فقط على الكفر عند الإباء؟!

4- ومما يزيد الأمر وضوحًا أيضًا: أن إسحاق مذهبه تكفير تارك الصلاة، لمجرد تركه الصلاة، وإن لم يصحب ذلك امتناع وإباء بالقلب، أو ما يقوم مقامه باللسان، أو بالفعل، والنص الثابت عنه عند المروزي، فيه: "قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك، كان رأي أهل العلم...."الخ، فمذهبه في الحديث المرفوع واضح، ثم هذا هو يبني الإجماع على ذلك فيقول: "وكذلك كان رأي أهل العلم....." فهل يصح أن يقال: والإجماع عند إسحاق على خلاف فهمه للحديث المرفوع؟ فهل كان إسحاق لا يعي ما يخرج من رأسه؟ وهل كان إسحاق يحتج لنفسه بهذا النص، أم يورد على نفسه الأدلة؟
5- ومما يزيد الأمر وضوحًا أيضًا: أن هذه الزيادة التي عند ابن عبدالبر، قد ذكرها ابن عبدالبر بالتعبير نفسه عند حكاية مذهب النخعي والحكم وأيوب وابن المبارك وأحمد وإسحاق (4/225) في "التمهيد"، فهل فهم أحد من هذه العبارة أن مذهب هؤلاء المذكورين: هو التكفير عند الإباء والامتناع، لا مجرد الترك؟ والجواب؛ لا، فإذا كان ذلك كذلك؛ فلا وجه لتأويل كلام إسحاق، وحَمْله على التكفير بشرط وجود الإباء والامتناع والاستكبار والاستنكاف، فهذا كله كفر مجرد، وإن صلى الرجل، والعلم عند الله تعالى.

=========
الترغيب والترهيب (1/ 217)
 831 - وروي عن حماد بن زيد عن أيوب رضي الله عنه قال ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق