الجمعة، 3 نوفمبر 2017

خطبة جمعة نفيسة بعنوان: فضل قتال الخوارج


فضل قتال الخوارج
للشيخ: الحارث بن سراج الزهراني


إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما)
أما بعد :

فإن من أعظم الجهاد، وأجله قدراً، وأكثره أجراً : قتال الخوارج ، فقد تواردت الأحاديث الصحيحة الدالة على فضل قتالهم، وعظم أجر من يقاتلهم.
فعن أبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : (( سيكون في أمتي اختلاف و فرقه ؛ قوم يحسنونَ القيلَ ، ويسيئون الفعلَ ، يقرءونَ القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرّميّة ، لا يرجعون حتى يرتد على فُوقِهِ ؛ هم شر الخلق والخليقةِ ، طُوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم ))
وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر " و فيه " فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال : اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فمن يطع الله إن عصيته ؟ أيأمنُنى الله على أهل الارض و لا تأمنوني؟) قال ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ،يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان. يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ).
وعن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة) .

ولك أيها المسلم أن تتعجب من حال الخوارج في زماننا ، يدّعون نصرة الإسلام ، والدفاع عنه، وتجدهم يجرمون ويخططون ويكيدون ببلاد التوحيد، بلاد السنة والحكم بالشريعة، حامية الحرمين وخادمتهما، وناصرة قضايا أهل الإسلام في كل بقاع الأرض، في حين أن دولة يهود ودولة الرفض إيران في مأمن من مخططاتهم وتفجيراتهم، إلا أنه يزول عجبك وينقضي إذا تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم عنهم ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان).

عباد الله: إنه مما يسر المسلم ما وفق الله إليه دولتنا من العمليات الاستباقية ، التي أطاحت بعناصر إرهابية كانت تخطط للتفجير في بلادنا، فهذا نصر من الله وفتح، فالحمد لله حمداً كثيراً طيبا مباركاً فيه.

ولنا أن نقف مع هذا الحدث بعض الوقفات على عجالة:
الوقفة الأولى: أن الخوارج لازالوا يعملون الليل مع النهار للنيل من بلادنا، ويسعون في خرابها، فالواجب علينا سواء كنا دعاة أو خطباء أو مربين ، بل وعلى كل مواطن أن نكون لهم بالمرصاد، وأن نقطع عليهم كل طريق يحاولون الولوج إليه، فلا نسمح لأحد أن يتكلم في ولاة أمورنا في مجالسنا العامة والخاصة، ونسعى في تبصير الناشئة بخطر عقيدة الخوارج مستندين على أدلة الوحيين، وأن نقف صفّاً واحداً مع ولاة أمورنا وعلمائنا، فإن ذلك مما يضعف كيد المتربصين والشانئين.
الوقفة الثانية: كثيراً ما يستغل هؤلاء الخوارج الشبابَ الصغار وأهل الجهل والحماسة المفرطة، فعلى كل مربٍّ أن يقوم بدوره في المحافظة على هؤلاء الشباب بتوجيههم التوجيه الصحيح ، وليس ثمة سلاح أقوى من سلاح العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، كما ينبغي للوالدين أن يكونوا قريبين من أبنائهم، لا يتركون لهم الحبل على الغارب ، يذهبون مع من شاءوا، ويخرجون ويدخلون متى ما شاءوا، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعنا بما فيهما من العلم والحكمة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له توفيقه وامتنانه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ،أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله ، وتذكروا أننا نعيش أمناً قلّ نظيره في سائر البلدان، ورغدا في العيش حُرِم منه كثير من الناس، فالواجب علينا أن نشكر النعمة، ونقوم بحقها، ونحذر غاية الحذر من أسباب زوالها ، ومن أعظم أسباب زوال النعم وحلول النقم : الوقوع في المعاصي والمجاهرة بها ، قال الله تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)

وإننا نحمد الله ونشكره على آلائه التي امتن بها علينا ، ( أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون)
ثم نشكر رجال الأمن الأشاوس الذين يسهرون ويرابطون حماية للدين والمقدسات والأنفس والأعراض، فكم لهم علينا من الأيادي البيضاء التي لا نستطيع مجازاتهم بها، فلا أقل من دعوة صادقة، فاللهم اجزهم عنا وعن بلادنا خير الجزاء وأوفاه، وتقبل من قتل منهم في الشهداء يا رب العالمين.

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله أمركم بالصلاة على نبيه فقال في محكم التنزيل :( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، واحم حوزة الدين وأذل الشرك والمشركين
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه.
اللهم احفظ جنودنا المرابطين وانصرهم واكلأهم برعايتك يا رب العالمين.

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين)

الخميس، 19 أكتوبر 2017

المسائل التي ادُّعِيَ فيها الإجماع والتحقيق خلافه جمعا وترتيبا.

المسائل التي ادُّعِيَ فيها الإجماع والتحقيق خلافه جمعا وترتيبا.



ـ دعوى اتفاق العلماء على عدم استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء:
ـ قال الحافظ في الفتح: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْقَدْر الْمُسْتَحَبّ مِنْ التَّطْوِيل فِي التَّحْجِيل فَقِيلَ : إِلَى الْمَنْكِب وَالرُّكْبَة ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رِوَايَة وَرَأْيًا . وَعَنْ اِبْن عُمَر مِنْ فِعْله أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة ، وَأَبُو عُبَيْد بِإِسْنَادٍ حَسَن ، وَقِيلَ الْمُسْتَحَبّ الزِّيَادَة إِلَى نِصْف الْعَضُد وَالسَّاق ، وَقِيلَ إِلَى فَوْق ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن بَطَّال وَطَائِفَة مِنْ الْمَالِكِيَّة : لَا تُسْتَحَبّ الزِّيَادَة عَلَى الْكَعْب وَالْمِرْفَق لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ " وَكَلَامهمْ مُعْتَرَض مِنْ وُجُوه ، وَرِوَايَة مُسْلِم صَرِيحَة فِي الِاسْتِحْبَاب فَلَا تَعَارُض بِالِاحْتِمَالِ . وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ اِتِّفَاق الْعُلَمَاء عَلَى خِلَاف مَذْهَب أَبِي هُرَيْرَة فِي ذَلِكَ فَهِيَ مَرْدُودَة بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ اِبْن عُمَر ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف وَأَكْثَر الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة .انتهى.



ـ مسألة: وُجُوبِ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد التَّشَهُّد:
ـ قال الحافظ في الفتح:وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ أَيْضًا بِوُجُوبِ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى   اللَّه
 عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد التَّشَهُّد ، وَادَّعَى أَبُو الطَّيِّب الطَّبَرِيُّ مِنْ أَتْبَاعه وَالطَّحَاوِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يُسْبَق إِلَى ذَلِكَ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى نَدْبِيَّتِهَا بِحَدِيثِ الْبَاب مَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاع ، وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ وَرَدَ عَنْ أَبِي جَعْفَر الْبَاقِر وَالشَّعْبِيّ وَغَيْرهمَا مَا يَدُلّ عَلَى الْقَوْل بِالْوُجُوبِ . وَأَعْجَب مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ اِبْنِ مَسْعُود رَاوِي حَدِيث الْبَاب مَا يَقْتَضِيه ...انتهى.



ـ مسألة: كَرَاهَةِ مَسْح اَلْحَصَى وَغَيْره فِي اَلصَّلَاةِ.
ـ قال الحافظ في الفتح: وَحَكَى اَلنَّوَوِيّ اِتِّفَاق اَلْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ مَسْح اَلْحَصَى وَغَيْره فِي اَلصَّلَاةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى اَلْخَطَّابِيّ فِي " اَلْمَعَالِمِ " عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَكَانَ يَفْعَلُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ اَلْخَبَرُ. انتهى.



ـ دَعْوَى الْإِجْمَاع على أن الطيب للجمعة مستحب:
ـ قال في الفتح: وَقَالَ اِبْنُ الْمُنِير فِي الْحَاشِيَة : إِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بِالْوَاجِبِ الْفَرْض لَمْ يَنْفَع دَفْعه بِعِطْفِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُول : أُخْرِجَ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْل ، وَعَلَى أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاع فِي الطِّيب مَرْدُودَة ، فَقَدْ رَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ كَانَ يُوجِب الطِّيب يَوْم الْجُمُعَة وَإِسْنَاده صَحِيح ، وَكَذَا قَالَ بِوُجُوبِهِ بَعْض أَهْل الظَّاهِر . انتهى


منقول



ـ مسألة هل يشترط القبول في الهبة والهدية:
ـ قال الحافظ في الفتح: قَوْله : ( بَاب إِذَا وَهَبَ هِبَة فَقَبَضَهَا الْآخَر وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت ) أَيْ جَازَتْ ، وَنَقَلَ فِيهِ اِبْن بَطَّال اِتِّفَاق الْعُلَمَاء ، وَأَنَّ الْقَبْض فِي الْهِبَة هُوَ غَايَة الْقَبُول ، وَغَفَلَ رَحِمَهُ اللَّه عَنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّة يَشْتَرِطُونَ الْقَبُول فِي الْهِبَة دُون الْهَدِيَّة ، إِلَّا إِنْ كَانَتْ الْهِبَة ضِمْنِيَّة كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدك عَنِّي فَعَتَقَهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكه هِبَة وَيُعْتَق عَنْهُ وَلَا يُشْتَرَط الْقَبُول ، وَمُقَابِل إِطْلَاق اِبْن بَطَّال قَوْل الْمَاوَرْدِيّ : قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ لَا يُعْتَبَرُ الْقَبُول فِي الْهِبَة كَالْعِتْقِ ، قَالَ : وَهُوَ قَوْل شَذَّ بِهِ عَنْ الْجَمَاعَة وَخَالَفَ فِيهِ الْكَافَّة إِلَّا أَنْ يُرِيد الْهَدِيَّة فَيُحْتَمَل ا هـ عَلَى أَنَّ فِي اِشْتِرَاط الْقَبُول فِي الْهَدِيَّة وَجْهًا عِنْد الشَّافِعِيَّة .انتهى.



ـ فائدة: قد يُعتَذَرُ عمَّن أطلقَ حكاية الاتفاق باحتمال كونه قصد الاتفاق المذهبي ولذلك نظائر منها:
ـ قال الحافظ في الفتح شرح باب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ :
ـ ( تَنْبِيه ) :وَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ عِنْد مُسْلِم تَطْوِيل الِاعْتِدَال الَّذِي يَلِيه السُّجُود وَلَفْظه " ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ، ثُمَّ سَجَدَ " وَقَالَ النَّوَوِيّ : هِيَ رِوَايَة شَاذَّة مُخَالِفَة فَلَا يُعْمَل بِهَا أَوْ الْمُرَاد زِيَادَة الطُّمَأْنِينَة فِي الِاعْتِدَال لَا إِطَالَته نَحْو الرُّكُوع ، وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْن خُزَيْمَةَ وَغَيْرهمَا ، مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَيْضًا فَفِيهِ " ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَع ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُد ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَع ، ثُمَّ رَفَعَ فَجَلَسَ فَأَطَالَ الْجُلُوس حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُد ، ثُمَّ سَجَدَ " لَفْظ اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق الثَّوْرِيّ عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ ، وَالثَّوْرِيُّ سَمِعَ مِنْ عَطَاء قَبْل الِاخْتِلَاط فَالْحَدِيث صَحِيح ، وَلَمْ أَقِف فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق عَلَى تَطْوِيل الْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا فِي هَذَا ، وَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيّ الِاتِّفَاق عَلَى تَرْك إِطَالَته ، فَإِنْ أَرَادَ الِاتِّفَاق الْمَذْهَبِيّ فَلَا كَلَام ، وَإِلَّا فَهُوَ مَحْجُوج بِهَذِهِ الرِّوَايَة .انتهى.
ـ مسألة الحلف بعهد الله:
ـ قال الحافظ في الفتح: وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : مَنْ حَلَفَ بِالْعَهْدِ فَحَنِثَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَة سَوَاء نَوَى أَمْ لَا عِنْد مَالِك وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَن وَالشَّعْبِيّ وَطَاوُسٌ وَغَيْرهمْ . قُلْت : وَبِهِ قَالَ أَحْمَد . وَقَالَ عَطَاء وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد : لَا تَكُون يَمِينًا إِلَّا إِذَا نَوَى ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل كِتَاب الْإِيمَان النَّقْل عَنْ الشَّافِعِيّ فِيمَنْ قَالَ أَمَانَة اللَّه مِثْله ، وَأَغْرَبَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَادَّعَى اِتِّفَاق الْعُلَمَاء عَلَى ذَلِكَ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَمَعَ ذَلِكَ فَالْخِلَاف ثَابِت عِنْدهمْ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْره عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْمَرْوَزِيُّ .. انتهى.


المسائل التي ادُّعِيَ فيها إجماع أو عمل أهل المدينة والتحقيق خلافه:


ـ دعوى إجماع أهل المدينة على منع التطيب عند إرادة الإحرام:
ـ قال الحافظ في الفتح: وَاعْتَذَرَ بَعْض الْمَالِكِيَّة بِأَنَّ عَمَل أَهْل الْمَدِينَة عَلَى خِلَافه ، وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام أَنَّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك لَمَّا حَجَّ جَمَعَ نَاسًا مِنْ أَهْل الْعِلْم - مِنْهُمْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد وَخَارِجَة بْن زَيْد وَسَالِم وَعَبْد اللَّه اِبْنَا عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَأَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث - فَسَأَلَهُمْ عَنْ التَّطَيُّب قَبْلَ الْإِفَاضَة ، فَكُلّهمْ أَمَرَ بِهِ . فَهَؤُلَاءِ فُقَهَاء أَهْل الْمَدِينَة مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ ، فَكَيْفَ يُدَّعَى مَعَ ذَلِكَ الْعَمَل عَلَى خِلَافه .انتهى.

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

فضل شهر الله المحرم وتعظيم السلف لعشره الأول

         :       ﷽       :

فضل شهر الله المحرم، وفضل أيامه العشر، الأولى وفضل يوم عاشوراء..

 عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم .

قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ شرح النووي على مسلم (8 / 12) :(وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَمَالِكٌ , وَأَحْمَدُ , وَإِسْحَاقُ , وَخَلَائِقُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ) . 

ولقد جاءت السنة النبوية ببيان فضله , وذكر منزلته , وتوضيح مزيته . 
فقد كان الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يتحرى صيامه كما في البخاري (2006) , ومسلم (1132 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ . 

وأمر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بداية الأمر بصيامه فيما ثبت عند البخاري (3942) عَنْ أَبِي مُوسَى ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ , ثم نسخ الأمر «مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»كما تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ في المتفق عليه عند البخاري (1592) , مسلم (1125) .

ويظهر أن شرف هذا اليوم يرجع إلى أكثر من سبب :
أحدها : أن صيامه من بقية ملة إبراهيم . ولهذا كانت قريش، وأهل الجاهلية يصومونه، ويعظمونه، ووافقهم النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ. فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ ) رواه البخاري 

الثاني : لكونه من أيام الله المشهودة ! لما روى ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: ( فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) رواه البخاري . وفي رواية : ( فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ )

ومن علو منزلته عند الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يصوّمون فيه صبيانهم تعويداً لهم على الفضل فقد ورد في الصحيحين عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ : أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ: ( مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ ) قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ . أنظرصحيح
البخاري (1960) , ومسلم (1136) .

وكون عاشوراء من أيام شهر الله المحرم , يعطيه فضلاً زيادة على فضائله .

صيام عاشوراء يكفر سنة .
ففي صحيح مسلم (1162) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ـ رضي الله عنه ـ أن رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ قال : « وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». 

سبب صوم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لعاشوراء .
ذكرت فيما سبق ما رواه البخاري (2004 ) , ومسلم : (1130) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ، لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ : «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . 


وبالجملة فقد ورد عن السلف إن أفضل أيام شهر محرم هي: العشر الأوائل منه 

"قال أبو عثمان النهدي: كان السلف يُعظمون ثلاث عشرات - أي من الأيام - :
العشر الأول من ذي الحجة،
والعشر الأخير من رمضان،
والعشر الأول من المحرم ".أ.هـ
(( كتاب لطائف المعارف ص 53 ))

وهذا الشهر " شهر محرَّم" هو أحد الأشهر الحُرُم الذي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿إن عِدَّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حُرُم﴾

قال ﷺ: (السَنَة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرُم: ثلاثٌ متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان) متفق عليه.

ومن خصائص شهر محرَّم أن النبي ﷺ سمَّاه شهر الله، قال ﷺ: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله الذي تدعونه المُحَرَّم) رواه مسلم.
قال الإمام ابن رجب: وقد سمَّاه النبي ﷺ شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله.

ومن الحديث السابق نستفيد فائدة مهمة، هي استحباب صيام شهر محرَّم، فهو أولى الشهور بصيام التطوع، فالسُّنَّة الإكثار من الصوم فيه، وآكد أيامه يوم عاشوراء كما تقدم.

وأفضل الصيام في هذا الشهر وآكده هو صيام يوم عاشورا ويستحب معه صيام التاسع ..
فعن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ. رواه البخاري. وقال : ( صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) رواه مسلم .
هكذا يحتفي أهل الإيمان الصادق بشعائر الله، شكراً، وتعظيماً، وصوماً .
بخلاف المطموسين من أهل البدع والأهواء الذين أفسدوا هذه المناسبة العظيمة، فأحالوها إلى لطمٍ، وشتمٍ، وضرب قامات، ونواح، وعويل، يشوه الدين، ويشين العقيدة .
وسبحان الله ! قد علم كل أناس مشربهم
منقول بتصرف
والله أعلم 
والحمدلله رب العلمين

الأحد، 3 سبتمبر 2017

المسائل التي ادُّعِيَ فيها الإجماع والتحقيق خلافه جمعا وترتيبا

ـ المسائل التي ادُّعِيَ فيها الإجماع والتحقيق خلافه جمعا وترتيبا.


ـ دعوى اتفاق العلماء على عدم استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء:
ـ قال الحافظ في الفتح: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْقَدْر الْمُسْتَحَبّ مِنْ التَّطْوِيل فِي التَّحْجِيل فَقِيلَ : إِلَى الْمَنْكِب وَالرُّكْبَة ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رِوَايَة وَرَأْيًا . وَعَنْ اِبْن عُمَر مِنْ فِعْله أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة ، وَأَبُو عُبَيْد بِإِسْنَادٍ حَسَن ، وَقِيلَ الْمُسْتَحَبّ الزِّيَادَة إِلَى نِصْف الْعَضُد وَالسَّاق ، وَقِيلَ إِلَى فَوْق ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن بَطَّال وَطَائِفَة مِنْ الْمَالِكِيَّة : لَا تُسْتَحَبّ الزِّيَادَة عَلَى الْكَعْب وَالْمِرْفَق لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ " وَكَلَامهمْ مُعْتَرَض مِنْ وُجُوه ، وَرِوَايَة مُسْلِم صَرِيحَة فِي الِاسْتِحْبَاب فَلَا تَعَارُض بِالِاحْتِمَالِ . وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ اِتِّفَاق الْعُلَمَاء عَلَى خِلَاف مَذْهَب أَبِي هُرَيْرَة فِي ذَلِكَ فَهِيَ مَرْدُودَة بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ اِبْن عُمَر ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف وَأَكْثَر الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة .انتهى.





ـ مسألة: وُجُوبِ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد التَّشَهُّد:
ـ قال الحافظ في الفتح:وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيّ أَيْضًا بِوُجُوبِ الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد التَّشَهُّد ، وَادَّعَى أَبُو الطَّيِّب الطَّبَرِيُّ مِنْ أَتْبَاعه وَالطَّحَاوِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يُسْبَق إِلَى ذَلِكَ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى نَدْبِيَّتِهَا بِحَدِيثِ الْبَاب مَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاع ، وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ وَرَدَ عَنْ أَبِي جَعْفَر الْبَاقِر وَالشَّعْبِيّ وَغَيْرهمَا مَا يَدُلّ عَلَى الْقَوْل بِالْوُجُوبِ . وَأَعْجَب مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ اِبْنِ مَسْعُود رَاوِي حَدِيث الْبَاب مَا يَقْتَضِيه ...انتهى.





ـ مسألة: كَرَاهَةِ مَسْح اَلْحَصَى وَغَيْره فِي اَلصَّلَاةِ.
ـ قال الحافظ في الفتح: وَحَكَى اَلنَّوَوِيّ اِتِّفَاق اَلْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ مَسْح اَلْحَصَى وَغَيْره فِي اَلصَّلَاةِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى اَلْخَطَّابِيّ فِي " اَلْمَعَالِمِ " عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَكَانَ يَفْعَلُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ اَلْخَبَرُ. انتهى.





ـ دَعْوَى الْإِجْمَاع على أن الطيب للجمعة مستحب:
ـ قال في الفتح: وَقَالَ اِبْنُ الْمُنِير فِي الْحَاشِيَة : إِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بِالْوَاجِبِ الْفَرْض لَمْ يَنْفَع دَفْعه بِعِطْفِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُول : أُخْرِجَ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْل ، وَعَلَى أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاع فِي الطِّيب مَرْدُودَة ، فَقَدْ رَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ كَانَ يُوجِب الطِّيب يَوْم الْجُمُعَة وَإِسْنَاده صَحِيح ، وَكَذَا قَالَ بِوُجُوبِهِ بَعْض أَهْل الظَّاهِر . انتهى.





ـ مسألة هل يشترط القبول في الهبة والهدية:
ـ قال الحافظ في الفتح: قَوْله : ( بَاب إِذَا وَهَبَ هِبَة فَقَبَضَهَا الْآخَر وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت ) أَيْ جَازَتْ ، وَنَقَلَ فِيهِ اِبْن بَطَّال اِتِّفَاق الْعُلَمَاء ، وَأَنَّ الْقَبْض فِي الْهِبَة هُوَ غَايَة الْقَبُول ، وَغَفَلَ رَحِمَهُ اللَّه عَنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّة يَشْتَرِطُونَ الْقَبُول فِي الْهِبَة دُون الْهَدِيَّة ، إِلَّا إِنْ كَانَتْ الْهِبَة ضِمْنِيَّة كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدك عَنِّي فَعَتَقَهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكه هِبَة وَيُعْتَق عَنْهُ وَلَا يُشْتَرَط الْقَبُول ، وَمُقَابِل إِطْلَاق اِبْن بَطَّال قَوْل الْمَاوَرْدِيّ : قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ لَا يُعْتَبَرُ الْقَبُول فِي الْهِبَة كَالْعِتْقِ ، قَالَ : وَهُوَ قَوْل شَذَّ بِهِ عَنْ الْجَمَاعَة وَخَالَفَ فِيهِ الْكَافَّة إِلَّا أَنْ يُرِيد الْهَدِيَّة فَيُحْتَمَل ا هـ عَلَى أَنَّ فِي اِشْتِرَاط الْقَبُول فِي الْهَدِيَّة وَجْهًا عِنْد الشَّافِعِيَّة .انتهى.





ـ فائدة: قد يُعتَذَرُ عمَّن أطلقَ حكاية الاتفاق باحتمال كونه قصد الاتفاق المذهبي ولذلك نظائر منها:
ـ قال الحافظ في الفتح شرح باب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ :
ـ ( تَنْبِيه ) :وَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ عِنْد مُسْلِم تَطْوِيل الِاعْتِدَال الَّذِي يَلِيه السُّجُود وَلَفْظه " ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ، ثُمَّ سَجَدَ " وَقَالَ النَّوَوِيّ : هِيَ رِوَايَة شَاذَّة مُخَالِفَة فَلَا يُعْمَل بِهَا أَوْ الْمُرَاد زِيَادَة الطُّمَأْنِينَة فِي الِاعْتِدَال لَا إِطَالَته نَحْو الرُّكُوع ، وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْن خُزَيْمَةَ وَغَيْرهمَا ، مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَيْضًا فَفِيهِ " ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَع ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُد ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَع ، ثُمَّ رَفَعَ فَجَلَسَ فَأَطَالَ الْجُلُوس حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُد ، ثُمَّ سَجَدَ " لَفْظ اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق الثَّوْرِيّ عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ ، وَالثَّوْرِيُّ سَمِعَ مِنْ عَطَاء قَبْل الِاخْتِلَاط فَالْحَدِيث صَحِيح ، وَلَمْ أَقِف فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق عَلَى تَطْوِيل الْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا فِي هَذَا ، وَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيّ الِاتِّفَاق عَلَى تَرْك إِطَالَته ، فَإِنْ أَرَادَ الِاتِّفَاق الْمَذْهَبِيّ فَلَا كَلَام ، وَإِلَّا فَهُوَ مَحْجُوج بِهَذِهِ الرِّوَايَة .انتهى.
ـ مسألة الحلف بعهد الله:
ـ قال الحافظ في الفتح: وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : مَنْ حَلَفَ بِالْعَهْدِ فَحَنِثَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَة سَوَاء نَوَى أَمْ لَا عِنْد مَالِك وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَن وَالشَّعْبِيّ وَطَاوُسٌ وَغَيْرهمْ . قُلْت : وَبِهِ قَالَ أَحْمَد . وَقَالَ عَطَاء وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد : لَا تَكُون يَمِينًا إِلَّا إِذَا نَوَى ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل كِتَاب الْإِيمَان النَّقْل عَنْ الشَّافِعِيّ فِيمَنْ قَالَ أَمَانَة اللَّه مِثْله ، وَأَغْرَبَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَادَّعَى اِتِّفَاق الْعُلَمَاء عَلَى ذَلِكَ ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَمَعَ ذَلِكَ فَالْخِلَاف ثَابِت عِنْدهمْ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْره عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْمَرْوَزِيُّ .. انتهى.




المسائل التي ادُّعِيَ فيها إجماع أو عمل أهل المدينة والتحقيق خلافه:




ـ دعوى إجماع أهل المدينة على منع التطيب عند إرادة الإحرام:
ـ قال الحافظ في الفتح: وَاعْتَذَرَ بَعْض الْمَالِكِيَّة بِأَنَّ عَمَل أَهْل الْمَدِينَة عَلَى خِلَافه ، وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام أَنَّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك لَمَّا حَجَّ جَمَعَ نَاسًا مِنْ أَهْل الْعِلْم - مِنْهُمْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد وَخَارِجَة بْن زَيْد وَسَالِم وَعَبْد اللَّه اِبْنَا عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَأَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث - فَسَأَلَهُمْ عَنْ التَّطَيُّب قَبْلَ الْإِفَاضَة ، فَكُلّهمْ أَمَرَ بِهِ . فَهَؤُلَاءِ فُقَهَاء أَهْل الْمَدِينَة مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ ، فَكَيْفَ يُدَّعَى مَعَ ذَلِكَ الْعَمَل عَلَى خِلَافه .انتهى.




الأحد، 9 أبريل 2017

تخريج حديث الأحتباء يوم الجمعة

حديث الأحتباء

الموضوع : 
حكم الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب . 


الحديث :
 أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب .

الحكم : 
 أسانيده منكرةٌ ومتنه منكرٌ أيضًا  
 

الدراسة : 
هذا المتن جاء
من حديث 
معاذ بن أنس الجهني 

وحديث 
جابر بن عبدالله رضي الله عنهما

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه 

دراسة الطرق :

أولًا : حديث معاذ بن أنس الجهني
هذا الحديث يرويه عبدالرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه مرفوعًا
دراسة حال عبدالرحيم بن ميمون : 
ضعّفه ابن معين
وأبوحاتم الرازي 
حيث قال : شيخ يكتب حديثه ولا يحتجّ به 
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 
٥/ ٣٣٨ / ١٥٩٧ 
النسائي : أرجو أنه لا بأس به 
التهذيب ٦/ ٢٧٥ / ٦٠٦ 
وذكره ابن حبان في الثقات 
( مجرّد ذكر فحسب وهذا ليس توثيقًا)
الثقات ٧/ ١٣٤ / ٩٣٣٦
وذكره في مشاهير علماء الأمصار 
وقال : وكان يهم في الأحايين . 
١/ ١٨٩ / ١٥١٩ 
وقال الحافظ في التقريب : 
صدوق 
١/ ٣٥٤ / ٤٠٥٩ 
الراجح في حاله أنه : 
ضعيف 
لكثرة من ضعّفه 
ولبيان سبب الجرح 
كما ذكر ابن حبان رحمهم الله جميعًا
وعدَّ الذهبيُ في الميزان هذا الحديثَ من مناكيره 
الميزان ٢/ ٦٠٧ /٥٠٩٧
دراسة حال :
 سهل بن معاذ بن أنس الجهني 
٢/ سهل بن معاذ بن أنس
 قال فيه ابن معين :
سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه ضعيف 
وبيّض له أبوحاتم وأبوزرعة
الجرح لابن أبي حاتم 
وبيّض له البخاري 
التاريخ الكبير ٤/ ٩٨ / ٢٠٤٩ 
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء
ص ٧٢ 
واضطرب فيه قول ابن حبان 
ففي الثقات قال : لايعتبر من حديثه ماكان من رواية زبان بن فائد عنه .
وقال في المجروحين : منكر الحديث جدًا ثم شكّك هل النكارة والتخليط جاءت في حديثه من جهته هو أو من جهة زبان ؟ ولم يخلص لشيء 
وقال في مشاهير علماء الأمصار 
وكان ثبتًا وإنما وقعت المناكير في أخباره من جهة زبان بن فائد. 
الثقات ٤/ ٣٢١ / ٣١٢٢
والمجروحين ١/ ٢٥٨ / ٢٦٦٧ 
ومشاهير علماء الأمصار 
١/ ١٢٠ / ٩٤٣ 
تعليق : 
الراجح أن ابن حبان ضعّف سهلًا 
وإذا كان الراوي عنه زبّان بن فائد فإن ضعفه 
( عند ابن حبان )
 يكون أشدّ 

الترجيح : 
الراجح في حال الرجل أنه ضعيف 
لكثرة من ضعّفه 
وإمامتهم في هذا الباب 
وأما ذكر ابن حبان له في الثقات 
فليس بتوثيق على الصحيح . 

ثانيًا:
دراسة حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : 
فيه عبدالله بن ميمون القداح 
قال فيه الأئمة : 
البخاري وأبوحاتم : منكر الحديث
أبوزرعة : واهي الحديث 
 الجرح والتعديل 
٥/ ١٧٢ / ٧٩٩
علل الترمذي الكبير 
١/ ٢٨٧ / ٥٢٧ 
النسائي : ضعيف 
الضعفاء والمتروكين 
١/ ٦٣ / ٣٣٦ 
الحاكم : روى عن عبيدالله بن عمر أحاديث موضوعة . 
أبونعيم الأصبهاني : روى المناكير 
التهذيب ٦/ ٤٤ / ٩٢ 
ذكره ابن حبان في المجروحين 
٢/ ٢١ / ٥٤٩ 
وذكره ابن عدي في الكامل 
وعدَّ هذا الحديث من مناكيره 
ثم قال : ولعبدالله بن ميمون غير ماذكرت عن جعفر وعن غيره وعامة مايرويه لا يُتابَعُ عليه . 
الكامل ٤/ ١٨٧ - ١٨٨ / ١٠٠٢ 
تعليق : هنا روى عن جعفر بن محمد
الحافظ في التقريب ١/ ٣٢٦ / ٣٦٥٣
منكر الحديث متروك . 

ثالثًا : 
دراسة حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه 
يرويه بقيّة بن الوليد عن عبدالله بن واقد عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه 

بيان حال حديث عمرو بن شعيب 
أولًا : 
بقيّة بن الوليد
فيه كلامٌ من جهتين 
الأولى : تدليسه فهو يدلّس تدليس 
التسوية ولم يصرّح بالتحديث في جميع طبقات السند 

الثانية : 
بقية تكلّمَ فيه بعض أهل العلم  
يعني في نفسه 
وهو يروي كثيرًا عن المجهولين الغرائب والمناكير 

أنظر 
شرح علل الترمذي 
١/ ٢٤٠
التهذيب ١/ ٤١٦ - ٤١٨ / ٨٧٨ 
الميزان ١/ ٣٣١ - ٣٣٢ 
رقم ١٢٥٠ 
ضعفاء العقيلي 
١/ ١٦٢ / ٢٠٣ 
التقريب ١/ ١٢٦ / ٧٣٤ 
طبقات المدلّسين 
١/ ٤٩ / ١١٧ 
الطبقة الرابعة 

تعليق : 
وهو هنا يروي عن شيخه 
عبدالله بن واقد وهو مجهول
ثانيًا: 
عبدالله بن واقد 
قال عنه الحافظ : 
شيخ لبقيّة مجهول من السابعة يُحْتَمَل  أن يكون الهروي .
التقريب ١/ ٣٢٨ / ٣٦٨٦
أنظر تهذيب الكمال 
التهذيب 
٦/ ٦٠ / ١٣١
ثالثًا: 
محمد بن عجلان 
مدلِّس ولم يصرِّح بالتحديث . 

الخلاصة : لا يصح لهذا المتن طريقٌ.

والله تعالى أعلم 

إعداد 
إبراهيم النويصر 
١/ ٦ / ١٤٣٦ هـ

الخميس، 23 فبراير 2017

شرح دعاء سيد الاستغفار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحمد لله


شرح دعاء سيد الاستغفار


عَنْ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ  أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَوَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. رواه البخاري (6306)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قَوْلُهُ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ  قَالَ الطِّيبِيُّ  : لَمَّا كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ جَامِعًا لِمَعَانِي التَّوْبَةِ كُلِّهَا اسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُ السَّيِّدِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الرَّئِيسُ الَّذِي يُقْصَدُ فِي الْحَوَائِجِ وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْأُمُورِ  

قَوْلُهُ أَنْ يَقُولَ  أَيِ الْعَبْدُ وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ  " إِنَّ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ " وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ  شَدَّادٍ "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ  عِنْدَ النَّسَائِيِّ تَعَلَّمُوا سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ . 

قَوْلُهُ  لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي كَذَا فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ بِتَكْرِيرِ أَنْتَ وَسَقَطَتِ الثَّانِيَةُ مِنْ مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ عِنْدَ  الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ  " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ "  وَالْبَاقِي نَحْوُ حَدِيثِ شَدَّادٍ وَزَادَ فِيهِ : آمَنْتُ لَكَ مُخْلِصًا لَكَ دِينِي  

قَوْلُهُ وَأَنَا عَبْدُكَ قَالَ  الطِّيبِيُّ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُؤَكَّدَةً وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً أَيْ أَنَا عَابِدٌ لَكَ وَيُؤَيِّدُهُ عَطْفُ  قَوْلِهِ " وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ  " 

قَوْلُهُ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ سَقَطَتِ الْوَاوُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ  ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ  : يُرِيدُ أَنَا عَلَى مَا عَهِدْتُكَ عَلَيْهِ وَوَاعَدْتُكَ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ وَإِخْلَاصِ الطَّاعَةِ لَكَ مَا اسْتَطَعْتُ مِنْ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى مَا عَهِدْتَ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِكَ وَمُتَمَسِّكٌ بِهِ وَمُنْتَجِزٌ وَعْدَكَ فِي الْمَثُوبَةِ وَالْأَجْرِ وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِطَاعَةِ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَنْ كُنْهِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّهِ تَعَالَى . 

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ  : قَوْلُهُ " وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ " يُرِيدُ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ حَيْثُ أَخْرَجَهُمْ أَمْثَالَ الذَّرِّ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَبِالْوَعْدِ مَا قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ إنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا وَأَدَّى مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ 

قُلْتُ [ابن حجر] : وَقَوْلُهُ وَأَدَّى مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَادَ بِالْعَهْدِ الْمِيثَاقَ الْمَأْخُوذَ فِي عَالَمِ الذَّرِّ وَهُوَ التَّوْحِيدُ خَاصَّةً فَالْوَعْدُ هُوَ إِدْخَالُ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ

قَالَ [ابن بطال] وَفِي قَوْلِهِ " مَا اسْتَطَعْتُ " إِعْلَامٌ لِأُمَّتِهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلَّهِ وَلَا الْوَفَاءِ بِكَمَالِ الطَّاعَاتِ وَالشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ فَرَفَقَ اللَّهُ بِعِبَادِهِ فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وُسْعَهُمْ

وَقَالَ الطِّيبِيُّ  : يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَهْدِ وَالْوَعْدِ مَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ كَذَا قَالَ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَهْدِ وَالْوَعْدِ أَوْضَحُ 

قَوْلُهُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ سَقَطَ لَفْظُ لَكَ مِنْ رِوَايَةِ  النَّسَائِيِّ وَأَبُوءُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزِ مَمْدُودٌ مَعْنَاهُ أَعْتَرِفُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ  شَدَّادٍ : " وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي " وَأَصْلُهُ الْبَوَاءُ وَمَعْنَاهُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ بَوَّأَهُ اللَّهُ مَنْزِلًا إِذَا أَسْكَنَهُ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِهِ 

قَوْلُهُ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي أَيْ أَعْتَرِفُ أَيْضًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَحْمِلُهُ بِرَغْمِي لَا أَسْتَطِيعُ صَرْفَهُ عَنِّي وَقَالَ الطِّيبِيُّ  : اعْتَرَفَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعَ الْإِنْعَامِ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِأَدَاءِ شُكْرِهَا ثُمَّ بَالَغَ فَعَدَّهُ ذَنْبًا مُبَالَغَةً فِي التَّقْصِيرِ وَهَضْمِ النَّفْسِ قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " أَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي " أَعْتَرِفُ بِوُقُوعِ الذَّنْبِ مُطْلَقًا لِيَصِحَّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ لَا أَنَّهُ عَدَّ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ النِّعَمِ ذَنْبًا  

قَوْلُهُ فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنِ اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ غُفِرَ لَهُ وَقَدْ وَقَعَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ الطَّوِيلِ وَفِيهِ  الْعَبْدُ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ وَتَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ  .  

قَوْلُهُ مَنْ قَالَهَا مُوقِنًا بِهَا أَيْ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ مُصَدِّقًا بِثَوَابِهَا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ  يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَمِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ بُشِّرَ بِالثَّوَابِ ثُمَّ بُشِّرَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ فَثَبَتَ الْأَوَّلُ وَمَا زِيدَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يُبَشِّرُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ يُبَشِّرُ بِأَقَلَّ مِنْهُ مَعَ ارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَاسِخًا وَأَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ قَالَهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَغْفِرُ لَهُ بِهِ ذُنُوبَهُ أَوْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ مِنَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْهُ بِوَجْهٍ مَا وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ عَنْهُ وَبَعْضُهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ 

قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ  " فَإِنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ " وَفِي رِوَايَةِ  عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ لَا يَقُولُهَا أَحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ أَوْ حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ 

قَوْلُهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ  فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ  " دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ :  جَمَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَدِيعِ الْمَعَانِي وَحُسْنِ الْأَلْفَاظِ مَا يَحِقُّ لَهُ أَنَّهُ يُسَمَّى سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ فَفِيهِ  الْإِقْرَارُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ ،  وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ  ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ  ، وَالرَّجَاءُ بِمَا وَعَدَهُ بِهِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِضَافَةُ النَّعْمَاءِ إِلَى مُوجِدِهَا وَإِضَافَةُ الذَّنْبِ إِلَى نَفْسِهِ ، وَرَغْبَتُهُ فِي الْمَغْفِرَةِ ، وَاعْتِرَافُهُ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا هُوَ ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى  الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ  فَإِنَّ تَكَالِيفَ الشَّرِيعَةِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى وَهَذَا الْقَدَرُ الَّذِي يُكَنَّى عَنْهُ بِالْحَقِيقَةِ فَلَوِ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَبْدَ خَالَفَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا الْعُقُوبَةُ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ أَوِ الْعَفْوُ بِمُقْتَضَى الْفَضْلِ انْتَهَى مُلَخَّصًا . 

أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِغْفَارِ :  صِحَّةُ النِّيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ وَالْأَدَبُ فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا حَصَّلَ الشُّرُوطَ وَاسْتَغْفَرَ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ وَاسْتَغْفَرَ آخَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ لَكِنْ أَخَلَّ بِالشُّرُوطِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَكُونُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ إِذَا جَمَعَ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1] 

قال اللغوي ابن منظور رحمه الله: ( غفر ) الغَفُورُ الغَفّارُ جلّ ثناؤه وهما من أَبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم يقال اللهمَّ اغفر لنا مَغْفرة وغَفْراً وغُفْراناً وإنك أَنت الغَفُور الغَفّار يا أَهل المَغْفِرة وأَصل الغَفْرِ التغطية والستر غَفَرَ الله ذنوبه أَي سترها والغَفْر الغُفْرانُ  [2] 

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: قال شيخ الإسلام : العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَفجمع في قوله صلى الله عليه وسلم أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِيمشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل.

فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان،ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلساً.[3]


والله أعلم

___________________________________
[1] فتح الباري » كتاب الدعوات » باب أفضل الاستغفار » 6306
[2] لسان العرب » الراء » غفر
[3] الوابل الصيب » السعادة بثلاث : شكر النعمة والصبر على البلاء والتوبة من الذنب.

=========== 

انتهى الشرح
منقول بتمامه لنشر الفائدة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=260051