《 حسن الخلق 》
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
من علامة الإخلاص لله عزوجل والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم حسن الخلق وكمال الأدب وطيب المعشر
وحسن الخلق إما يكون جبلة كما قال رسول صلى الله عليه وسلم لأشج ابن عبدالقيس رضي الله عنه -: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة" رواه مسلم
وفي رواية أبي داود: قال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: "بل الله جبلك عليهما" قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله.
وإما يكون مكتسبا فالحلم يأتي بالتحلم كما يأتي العلم بالتعلم فالخلق المكتسب يكتسبه سيئ الخلق فيصير حسن الخلق ويتعلم ويحلم حتى يصير إماما في حسن الخلق ..
قال تعالى ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)
وأقرب الناس من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا يوم القيامة أحسن الناس أخلاقا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا . رواه الترمذي .
من الناس من أوتي علما ولم يؤتى حلما ولا خلقا فلا يقبل ماعنده من العلم لسوء خلقه ..
وهذا شئ من شمائله صلى الله عليه وسلم في الأخلاق ..
[أَخلاقُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشمائِلُهُ]
فصلٌ في أخلاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]
كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْجَعَ الناسِ.
قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: كُنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولَقِيَ القومُ القومَ اتَّقَيْنَا برسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2].
وكانَ أَسْخَى الناسِ، ما سُئِلَ شَيْئًا قطُّ فقالَ: لا [3].
وكانَ أَحْلَمَ الناسِ.
وكانَ أَشَدَّ حَياءً من العَذْرَاءِ في خِدْرِها [4]، لا يُثْبِتُ بَصَرَهُ في وَجْهِ أَحَدٍ.
وكانَ لا يَنتقِمُ لنفسِهِ، ولا يَغضبُ لها، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرُماتُ اللَّهِ، فيكونُ للَّهِ يَنتقِمُ. وإذا غَضِبَ للَّهِ لمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ أَحَدٌ.
والقريبُ والبعيدُ والْقَوِيُّ والضعيفُ عندَهُ في الحقِّ واحدٌ.
وما عابَ طعامًا قطُّ، إن اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وإنْ لمْ يَشْتَهِهُ تَرَكَهُ [5].
وكانَ لا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا.
ولا يَأْكُلُ على خِوَانٍ [6].
ولا يَمْتَنِعُ منْ مُباحٍ، إنْ وَجَدَ تَمْرًا أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ خُبْزًا أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ شِوَاءً أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ خُبْزَ بُرٍّ أوْ شَعْيرًا أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ لَبَنًا اكْتَفَى بهِ.
أَكَلَ البِطِّيخَ بالرُّطَبِ [7].
وكانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ والعسلَ [8].
قالَ أبو هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدُّنيا ولمْ يَشْبَعْ منْ خُبزِ الشعيرِ [9].
وكانَ يَأْتِي على آلِ مُحَمَّدٍ الشهرُ والشهرانِ لا يُوقَدُ في بيتٍ منْ بُيُوتِهِ نارٌ، وكانَ قُوتُهم التَّمْرَ والماءَ [10].
يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، ولا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، ويُكَافِئُ على الْهَدِيَّةِ [11].
لا يَتَأَنَّقُ [12] في مَأْكَلٍ ولا مَلْبَسٍ.
يَأْكُلُ ما وَجَدَ، ويَلْبَسُ ما وَجَدَ.
وكانَ يَخْصِفُ النَّعْلَ، ويَرْقَعُ الثوبَ، ويَخْدِمُ في مِهْنَةِ أَهْلِهِ [13]، ويَعودُ الْمَرْضَى.
وكانَ أشدَّ الناسِ تَوَاضُعًا، يُجِيبُ مَنْ دَعاهُ مِنْ غَنِيٍّ أوْ فَقيرٍ أوْ دَنِيءٍ أوْ شَريفٍ.
وكانَ يُحِبُّ الْمَساكينَ، ويَشْهَدُ جَنائزَهم، ويَعودُ مَرضاهُم، لا يَحْقِرُ فَقِيرًا، ولا يَهابُ مَلِكًا لِمُلْكِهِ.
وكانَ يَرْكَبُ الفَرَسَ، والبعيرَ، والْحِمارَ، والْبَغْلَةَ، ويُرْدِفُ خلفَهُ عبدَهُ أوْ غيرَهُ، لا يَدَعُ أحدًا يَمْشِي خَلْفَهُ، ويقولُ: ((خَلُّوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ)) [14].
وهذه أقوال ومواقف السلف في حسن الخلق :
عن سفيان الثوري قال: كان يقال: حسن الأدب يطفئ غضب الرب.حلية الأولياء(7/ 79)
عن الفضيل بن عياض قال: كان يقال: من أخلاق الأنبياء، والأصفياء الأخيار، الطاهرة قلوبهم: خلائق ثلاثة: الحلم، والأناة، وحظ من قيام الليل.حلية الأولياء(8/ 95)
عن بشر بن المفضل قال: جلست إلى محمد بن المنكدر، فلما أراد أن يقوم، قال: أتأذن.حلية الأولياء(3/ 153)
عن ابن حميد قال: عطس رجل عند ابن المبارك، فلم يحمد الله؛ فقال ابن المبارك: إيش يقول العاطس إذا عطس؟ قال: يقول: الحمد لله، فقال: يرحمك الله.حلية الأولياء(8/ 170)
عن عبد الرحمن بن مهدي قال: ليتق الرجل دناءة الأخلاق، كما يتقي الحرام.حلية الأولياء(6/ 240)
عن مكحول قال: المؤمنون هينون لينون، مثل الجمل الأنف؛ إن قدته انقاد، وإن انخته على صخرة استناخ.حلية الأولياء(5/ 180)
عن عون بن عبد الله قال: المؤمن موالف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.حلية الأولياء(4/ 254)
عن عكرمة قال: لكل شيء أساس، وأساس الإسلام: الخلق الحسن.حلية الأولياء(3/ 340)
عن محمد بن الحنفية قال: ليس بحكيم، من لم يعاشر بالمعروف، من لا يجد بداً من معاشرته؛ حتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً.حلية الأولياء(3/ 175)
عن حماد بن زيد قال: من أيوب - السختياني -، ما رأيت رجلاً قط أشد تبسماً في وجوه الرجال.حلية الأولياء(3/ 8)
عن ابن سيرين قال: كانوا يرون حسن الخلق عوناً على الدين.حلية الأولياء(2/ 174)
عن معاذ بن سعد الأعور قال: كنت جالساً عند عطاء بن أبي رباح، فحدث بحديث، فعرض رجل من القوم في حديثه، فغضب، وقال: ما هذه الأخلاق، وما هذه الطبائع؟ إني لأسمع الحديث من الرجل، وأنا أعلم منه به، فأريه أني لا أحسن شيئاً منه.حلية الأولياء(3/ 311)
عن سفيان ابن عيينة قال: قال لقمان: خير الناس: الحيي، الغني؛ قيل: الغنى في المال؟ قال: لا، ولكن: الذي إذا احتيج إليه نفع، وإذا استغنى عنه نفع؛ قيل: فمن شر الناس؟ قال: من لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً.حلية الأولياء(7/ 307)
عن عاصم قال: ما رأيت أبا وائل - شقيق بن سلمة - ملتفتا في صلاة ولا في غيرها، ولا سمعته يسب دابة قط؛ إلا أنه ذكر الحجاج يوماً، فقال: اللهم أطعم الحجاج من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع؛ ثم تداركها، فقال: إن كان ذاك أحب إليك؛ فقلت: وتستثنى في الحجاج؟ فقال: نعدها ذنباً.حلية الأولياء(4/ 102)
عن أبي سليمان الداراني قال: لربما حدثني الرجل بالحديث، وأنا أعلم به منه، فأنصت له كأني ما سمعته؛ ولربما مشيت إلى الرجل، وهو أولى بالمشي مني إليه؛ ولقد كنت أنظر إلى الأخ من إخواني، فما يفارق كفي كفه؛ أجد طعم ذلك في قلبي.حلية الأولياء(9/ 269 - 270)
عن محمد بن علي بن الحسين قال: من أعطي الخلق والرفق: فقد أعطي الخير كله، والراحة، وحسن حاله في دنياه وآخرته؛ ومن حرم الرفق والخلق: كان ذلك له سبيلاً إلى كل شر وبلية؛ إلا من عصمه الله تعالى.حلية الأولياء(3/ 186 - 187)
عن ذي النون قال: ثلاثة من حسن الخلق: قلة الخلاف على المعاشرين، وتحسين ما يرد عليه من أخلاقهم، وإلزام النفس اللائمة فيما يختلفون فيه، كفاً عن معرفة عيوبهم.حلية الأولياء(9/ 362)
عن مجاهد قال: كنت أصحب ابن عمر رضي الله عنهما في السفر؛ فإذا أردت أن أركب، يأتيني فيمسك ركابي؛ وإذا ركبت سوى ثيابي. قال مجاهد: فجاءني مرة، فكأني كرهت ذلك؛ فقال: يا مجاهد، إنك ضيق الخلق.حلية الأولياء(3/ 285)
________________
[1] راجِعْ (صحيحَ البخاريِّ) كتابَ الْمَناقِبِ، بابَ صِفةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَعَهُ (الفتحَ) (6/563-579)، و(صحيحَ مسلمٍ) (4/1802 - 1836)، و(جامِعَ الأصولِ) (
11 / 247 - 259)، و(السيرةَ النبويَّةَ)، تأليفُ الدكتورِ مَهْدِي رزق اللَّهِ ص (713- 736).
وقدْ كَتَبْتُ في هذا الموضوعِ الْمُهِمِّ رسالةً عنوانُها: (نَفْحُ العَبيرِ منْ شَمائلِ البَشيرِ النذيرِ).
[2] رواهُ الشيخُ في (أخلاقِ النبيِّ) ص (58).
ولهُ شاهِدٌ عندَ مسلمٍ (1776) منْ قولِ البَرَاءِ: كُنَّا واللَّهِ إذا احْمَرَّ البَأْسُ نَتَّقِي بهِ، وإنَّ الشُّجَاعَ منَّا لَلَّذِي يُحاذِي بهِ، يعني النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورَوى نحوَهُ أحمدُ في (المُسْنَدِ)، وصَحَّحَهُ العَلَّامَةُ أحمد شاكر رَحِمَهُ اللَّهُ، (564) والساعاتيُّ (21/36)، وانظُر (السيرةَ) للذهبيِّ ص (462) منْ (تاريخِ الإسلامِ).
[3] يُنظَرُ: (صحيحُ البخاريِّ) (6033)، و(صحيحُ مسلمٍ) (2311) و(2312).
[4] رواهُ البخاريُّ (3562) ومسلمٌ (2320).
[5] رواهُ البخاريُّ (5409) ومسلمٌ (2064).
وهذا كما قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: إذا كانَ الطعامُ مُباحًا، أمَّا إذا كانَ حَرامًا فكانَ يَعيبُهُ ويَذُمُّهُ ويَنْهَى عنهُ.
[6] الْخِوَانُ: بكسْرِ الخاءِ وتُضَمُّ، وهوَ شيءٌ مُرْتَفِعٌ يُهَيَّأُ لِيُؤْكَلَ الطعامُ عليهِ. (مختصَرُ الشمائلِ) (165).
[7] رواهُ الترمذيُّ (1844)، ورواهُ أبو داودَ في (سُنَنِهِ) (3836).
المرادُ هنا الذي قِشْرَتُهُ صَفراءُ، لا الذي قِشرتُهُ خَضراءُ، والبِطِّيخُ الأصفرُ هوَ الذي يُسَمِّيهِ الناسُ: الخِرْبِزَ، كما نَبَّهَ لهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحِ البارِي) عندَ شَرْحِهِ الحديثَ رقمَ (5449) (9/573).
وانْظُرْ: (زادَ الْمَعادِ) (4/274) للعَلَّامَةِ ابنِ القَيِّمِ.
[8] رواهُ البخاريُّ (5268)، ومسلمٌ (1474) في حديثٍ طويلٍ، والترمذيُّ (1832) وهذا لَفْظُهُ.
[9] رواهُ البخاريُّ (5414) ومسلمٌ (2976)، واللفظُ للبخاريِّ.
[10] رواهُ البخاريُّ (6458) (6459)، ومسلمٌ (2972) بنحوِهِ، منْ كلامِ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها.
[11] يُنْظَرُ: (صحيحُ البخاريِّ) (2585)، و(سُننُ أبي دَاوُدَ) (3536)، و(جامِعُ الترمذيِّ) (1954)، و(سُنَنُ الترمذيِّ) (6/279).
[12] أيْ: لا يَطْلُبُ العجيبَ أو الكاملَ الحسَنَ من الطعامِ والْمَلْبَسِ. (وراجِع القاموسَ. مادَّةَ: أنق).
[13] انظُرْ (صحيحَ البخاريِّ) (676)، (والمسنَدَ) (6/121، 167) و(الأدَبَ الْمُفْرَدَ) (540) و(المصَنَّفَ) (20492).
[14] رواهُ أحمدُ في (المسنَدِ) (3/ 398)، وابنُ مَاجَهْ (246) وقالَ البُوصيريُّ (19): سَنَدُهُ صحيحٌ، والحاكمُ (4/281) وابنُ حِبَّانَ (2099- موارد)، واللفظُ لأحمدَ. وصَحَّحَهُ الشيخُ الألبانيُّ (الصحيحةَ) (1557).