تتَبُّـعُ الرُّخَصِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصَحبِه أجمعينَ، وبعدُ:
هذا بحثٌ مُوجَزٌ في حقيقةِ المرادِ بتتَبُّعِ الرُّخَصِ وكلامِ أهلِ العِلمِ في حُكمِه، وقد تكلَّم غالِبُ الأصوليِّين في (تتبُّع الرُّخَص) عقيبَ كلامِهم في مسألةِ (التزام العامِّي مذهبًا مُعَيَّنًا) من حيثُ إنَّها مبنيَّةٌ على مسألةِ التزامِ المذهَبِ ومخرَّجة عليها(1).
وقد جعلتُ الكلامَ فيه وَفقَ الخِطَّةِ الآتيَة:
• المبحثُ الأوَّلُ: حقيقةُ تتَبُّعِ الرُّخَصِ.
• وفيه مطلبان:
المطلبُ الأوَّلُ: المرادُ بتتَبُّعِ الرُّخَصِ.
المطلب الثاني: الفَرقُ بين تتبُّعِ الرُّخَصِ والتلفيقِ.
• المبحثُ الثاني: حكمُ تتَبُّعِ الرُّخَصِ.
أسأل اللهَ تعالى أن ينفع به، وأن يجعلَه خالصًا صوابًا، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّم.
• المبحثُ الأوَّلُ: حقيقةُ تتَبُّعِ الرُّخَصِ.
• وفيه مطلبان:
المطلب الأوَّلُ: المرادُ بتَتَبُّع الرُّخَصِ.
1 - الإطلاقُ اللُّغويُّ:
تطلق الرُّخْصَة (بإسكان الخاء وضمها) في اللغة، ويراد بها: التخفيفُ والتسهيلُ والتيسيرُ، وأصلُ الكلمة كما يقول ابنُ فارس "يدلُّ على لِينٍ وخِلافِ شِدَّةٍ" (2).
2- الإطلاقُ الاصطلاحيُّ:
يظهَرُ من خِلالِ تتبُّعِ استعمالاتِ أهلِ العِلمِ لكلمةِ (الرُّخصة) أنَّ لها في عُرْفِهم معنيَينِ:
الأول: الرُّخصةُ الشَّرعيَّةُ، وهي (ما ثبت على خلافِ دليلٍ شَرعيٍّ لمعارض راجحٍ)(3)، وهي التي تُطلَقُ في مقابِلِ (العزيمة).
وهذا الاستعمالُ غيرُ مرادٍ في هذا البَحثِ؛ لأنَّه لا إشكالَ في الأخذِ بها، بل دلَّت النصوصُ الشَّرعيَّة على مشروعيَّة الأخذ بها، كما في قوله: "عليكم برُخصةِ الله الذي رَخَّص لكم"(4).
الثاني: الرُّخصةُ الفقهيَّة، وهو المرادُ هنا، وقد جاء هذا المعنى وفق الاستعمال اللُّغويِّ؛ فهو بمعنى التسهيل والتخفيف، وتَتَبُّعُ الرُّخَصِ هو طلب التخفيف في الأحكامِ الشَّرعيَّة.
وقد ذكر جمعٌ من أهل العلمِ تعريفاتٍ لتَتَبُّع الرُّخَصِ، أذكر منها ما وقفتُ عليه:
1- عَرَّفه الزركشيُّ بأنَّه: "اختيارُ المرءِ من كل ِّمَذهَبٍ ما هو الأهوَنُ عليه"(5).
2- وعرَّفه الجلال المحلِّي بقوله: "أن يأخُذَ من كُلِّ مذهَبٍ ما هو الأهوَنُ فيما يقع من المسائِلِ"(6).
3- وحكى الدسوقي وغيره من المالكيَّة تعريفين:
الأول: "رفعُ مشَقَّةِ التكليف باتباعِ كُلِّ سَهلٍ".
الثاني: "ما يُنقَضُ به حكمُ الحاكِمِ من مخالفِ النَّصِّ وجَلِيِّ القياسِ"(7).
4- وعرَّفه المجمَعُ الفِقهيُّ بأنَّه: "ما جاء من الاجتهاداتِ المذهبيَّةِ مُبيحًا لأمرٍ في مقابلةِ اجتهاداتٍ أخرى تحظُرُه"(8).
5- وعرَّفه بعضُ الباحثين بأنَّه: "تطلُّبُ السُّهولة واليُسر في الأحكامِ، فمتى ما رأى المتتَبِّعُ للرُّخَصِ الحُكمَ سَهلًا في مذهَبٍ سَلَكه وقلَّده فيه، وإن كان مخالفًا لمذهَبِه هو الذي يلتَزِمُ تقليدَه"(9).
المطلبُ الثاني: الفَرقُ بين تَتَبُّع الرُّخَصِ والتلفيق.
يمكن إيضاحُ الفروقِ بين الأمرينِ في الآتي(10):
1- أنَّ تَتَبُّع الرُّخَصِ يكون بأخذ القولِ الأخَفِّ والأسهَلِ، وأمَّا التلفيقُ فحقيقتُه الجمعُ بين قولين، وبناءً على ذلك؛ فإنَّه قد يكونُ بأخذِ القولِ الأخَفِّ والأسهَلِ، وقد يكونُ بأخذِ القَولِ الأثقَلِ.
2- أنَّ تَتَبُّعَ الرُّخَصِ يكونُ في الحُكمِ، ويكونُ في أجزائِه، وأمَّا التلفيقُ فإنَّه لا يكونُ إلَّا في أجزاءِ الحُكمِ الواحِدِ لا في جزئياتِ المسائِلِ.
3- تَتَبُّع الرُّخَصِ ليس فيه إحداثُ قَولٍ جديدٍ في المسألة، وإنما يتَّبِع الإنسانُ رخصةً قال بها بعضُ العُلَماءِ، وأمَّا التلفيق فإن القَولَ الناتج عنه لم يقُلْ به أحدٌ من العلماء، وإنما هو جمعٌ أو تصرُّفٌ في أقوال العُلَماء.
• المبحثُ الثَّاني: حُكمُ تَتَبُّع الرُّخَصِ.
• تحريرُ محَلِّ النِّـزاعِ:
1- اتَّفَق الفُقَهاءُ على أنَّ الانتقالَ إذا كان للتلَهِّي فهو حرام قطعًا؛ لأنَّ التلهِّيَ حرامٌ بالنُّصوصِ القاطعة، وذلك كأن يعمَلَ الحنفيُّ بالشِّطرنجِ على رأيِ الشَّافعيِّ قصدًا للهوى(11).
2- نصَّ الإمامُ أحمدُ وغيرُه أنَّه ليس لأحَدٍ أن يعتَقِدَ الشَّيءَ واجبًا أو حرامًا ثمَّ يعتَقِده غيرَ واجبٍ أو غيرَ حرامٍ بمُجَرَّدٍ هواه، مثلُ أن يكونَ طالبًا لشُفعةِ الجِوارِ فيعتَقِدُها أنَّها حَقٌّ له، ثمَّ إذا طُلِبَ منه شفعةُ الجوارِ اعتقد أنَّها ليست ثابتةً؛ اتباعًا لقولِ عالمٍ آخرَ، فهذا ممنوعٌ من غير خِلافٍ(12).
3- كما ينبغي أن يخرُجَ من محَلِّ النِّـزاعِ أن المجتَهِدَ إذا أوصله اجتهادُه إلى رأيٍ في مسألةٍ أنَّه لا يَترُك ما توصَّل إليه، بل عليه المصيرُ إلى ما أدَّاه إليه اجتهادُه(13).
4- ما عدا ما سبق، فقد اختلفوا فيه على أقوالٍ، أشهرها ثلاثة:
القول الأوَّلُ:
منعُ تَتَبُّع الرُّخَصِ مطلقًا.
وإليه ذهب ابن حزمٍ، والغزاليُّ، والنوويُّ، والسُّبكي، وابنُ القَيِّم، والشاطبي(14).
ونقل ابن حزمٍ وابن عبد البرِّ الإجماعَ على ذلك(15).
واختلف أصحابُ هذا القَولِ في تفسيق متَتَبِّعِ الرُّخَصِ على رأيين:
الأول: أنَّه يَفسُقُ، وهو روايَة عن أحمد اختارها ابن القَيِّم وغيرُه(16)، وهو رأيُ أبي إسحاقَ المَرْوزيِّ من الشافعيَّة(17).
وخصَّ القاضي أبو يعلى التفسيقَ بالمجتهد الذي أخذ بها خلافًا لما توصَّل إليه اجتهادُه، وبالعامِّي الذي أخذ بها دون تقليدٍ(18).
الثاني: أنَّه لا يَفسُقُ، وهو روايَة أخرى عن أحمد(19).
وقال بها ابنُ أبي هُرَيرة من الشافعيَّة(20).
واستدل أصحابُ القَولِ الأوَّلِ بالآتي:
1- أنَّ الله تعالى أمر بالردِّ إليه وإلى رسوله، واختيارُ المقلِّد بالهوى والتشهِّي مُضادٌّ للرُّجوعِ إلى اللهِ ورَسولِه(21).
2- أن تَتَبُّع الرُّخَصِ مؤدٍّ إلى إسقاطِ التكليف في كُلِّ مسألة مختَلَف فيها؛ لأنَّ له أن يفعَلَ ما يشاء ويختارَ ما يشاء، وهو عينُ إسقاطِ التكليفِ، فيُمنَعُ سَدًّا للذَّريعةِ(22).
3- أن القول بتَتَبُّع الرُّخَصِ يترتَّب عليه مفاسِدُ عظيمةٌ؛ منها:
أ - الاستهانةُ بالدِّين، فلا يكونُ مانعًا للنُّفوسِ من هواها، ومن مقاصِدِ الشَّرع إخراجُ الإنسانِ عن داعيَةِ هواه، والقولُ بإباحة تَتَبُّع الرُّخَصِ فيه حثٌّ لإبقاء الإنسان فيما يحَقِّقُ هواه.
ب- الانسلاخُ من الدِّينِ بتَرْكِ اتِّباعِ الدَّليل إلى اتِّباع الخلاف، ثمَّ إنَّه لا يوجَدُ مُحَرَّم إلَّا وهناك من قال بإباحتِه، إلا ما ندر من المسائِلِ المجمَعِ عليها، وهي نادرة جدًّا.
ج- انخرامُ قانون السياسة الشَّرعيَّة بترك الانضباطِ إلى أمرٍ معروفٍ، فتضيع الحقوقُ، وتُعطَّل الحدودُ، ويَجترئُ أهلُ الفساد.
د- إفضاؤُه إلى القَولِ بتلفيق المذاهِبِ على وَجهٍ يخرِقُ إجماعَهم(23).
ويعضِّدُ أصحابَ هذا القَولِ مذهبُهم بالآثارِ المرويَّة عن السَّلَفِ في ذَمِّ تَتَبُّع الرُّخَصِ، ومن ذلك:
- قول الأوزاعي: "من أخذ بنوادِرِ العُلَماء خرج من الإسلامِ"(24).
- وقوله أيضًا: "يُترك من قولِ أهلِ مكَّة المتعةُ والصَّرف، ومن قول أهل المدينة السَّماعُ وإتيانُ النِّساءِ في أدبارِهن، ومن قول أهل الشَّامِ الجبرُ والطاعة، ومن قول أهل الكوفة النَّبيذُ والسَّحور"(25).
- وعن إسماعيلَ بن إسحاق القاضي قال:" دخلتُ على المعتَضِدِ فدفع إليَّ كتابًا نظرتُ فيه، وكان قد جُمِع له الرُّخَصُ من زَلَل العُلَماء وما احتجَّ به كلٌّ منهم لنفسه، فقلت له: يا أميرَ المؤمنين مصَنِّفُ هذا الكتابِ زِنديقٌ، فقال: لم تَصِحَّ هذه الأحاديثُ؟ قلت: الأحاديثُ على ما رُوِيَت، ولكِنْ من أباح المسكِرَ لم يُبِحِ المتعةَ، ومن أباح المُتعةَ لم يُبِحِ الغِناءَ والمُسكِرَ، وما من عالمٍ إلا وله زَلَّةٌ، ومن جمعَ زَلَل العُلَماء ثم أخذ بها، ذهب دينُه، فأمر المعتَضِدُ فأُحرِقَ ذلك الكتابُ"(26).
- وعن سليمان التيمي قال: "لو أخذتَ برخصة كُلِّ عالِم اجتمع فيك الشرُّ كلُّه"(27).
القولُ الثَّاني:
جواز تَتَبُّع الرُّخَصِ.
وقال به من الحنفيَّة السرخسي، وابن الهمام، وابن عبد الشكور، وأمير باد شاه(28).
واستدلُّوا بالآتي:
1- الأدِلَّةُ الدَّالَّةُ على يُسرِ الشريعة وسماحتها، كقوله تعالى:
{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(29).
وقولِه: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(30).
قولُ عائشةَ رضي الله عنها: (ما خُيِّرَ النبيُّ بين أمرينِ إلا اختار أيسَرَهما ما لم يكن إثمًا)(31)، وغير ذلك من النُّصوصِ الواردة في التوسِعة، والشَّريعةُ لم تَرِد لمقصَدِ إلزام العبادِ المشاقَّ، بل بتحصيل المصالح الخاصَّة، أو الرَّاجِحة وإن شقَّت عليهم(32).
ونوقش/ بأنَّ السَّماحَ واليُسرَ في الشَّريعة مقيَّدٌ بما هو جارٍ على أصولها، وليس تَتَبُّع الرُّخَصِ ولا اختيارُ الأقوالِ بالتشهِّي بثابتٍ من أصولها، بل هو مما نُهِيَ عنه في الشريعةِ؛ لأنَّه ميلٌ مع أهواءِ النفوس، والشَّرعُ قد نهى عن اتِّباعِ الهوى(33).
2- أنَّه لا يمنَعُ منه مانعٌ شرعي؛ فللإنسانِ أن يسلُكَ الأخَفَّ عليه إذا كان إليه سبيلٌ(34).
ونوقِشَ بعدم التسليمِ؛ لأن تَتَبُّعَ الرُّخَصِ عَمَلٌ بالهوى والتشهِّي، وقد نُهِيَ عنه.
3- أنَّه يلزمُ من عدم الجواز استفتاءُ مُفتٍ بعينِه، وهذا باطِلٌ(35).
ونوقِشَ بأنَّ اللازمَ باطِلٌ، بل هو مأمورٌ بتقليد من يَثِقُ بدينه ووَرَعِه دون الاختيار المبنيِّ على الهوى.
4- أنَّ الخِلافَ رحمةٌ، فمن أخذ بأحدِ الأقوالِ، فهو في رحمةٍ وسَعةٍ(36).
ونوقِشَ بأنَّ الخِلافَ ليس في ذاتِه رحمةً، بل هو شَرٌّ وفُرقةٌ، ولكن مرادُ من أطلق: الخلافُ رحمةٌ: أنَّ فَتحَ باب الخلاف والنَّظَر والاجتهاد رحمةٌ بالأمَّةِ، بحيث يكون التكليفُ مربوطًا بما يراه المجتَهِدُ بعد النَّظَرِ في الأدِلَّةِ.
القولُ الثَّالِثُ:
جوازُ الأخذِ بالرُّخَصِ بشروطٍ، واختلف المشتَرِطون:
1- فقيَّد العِزُّ بن عبد السلام الجوازَ بألَّا يترتَّبَ عليه ما يُنقَض به حُكمُ الحاكم، وهو ما خالف النَّصَّ الذي لا يحتَمِلُ التأويلَ، أو الإجماعَ، أو القواعِدَ الكليَّة، أو القياسَ الجَلِيَّ(37).
2- وتبعه القرافي وزاد: شرط ألَّا يجمَعَ بين المذاهِبِ على وجهٍ يخرقُ به الإجماع(38).
3- وزاد العَطَّار على شرط القرافي شرطينِ، هما(39):
أ- أن يكون التتَبُّعُ في المسائِلِ المدَوَّنة للمجتهدين الذين استقرَّ الإجماعُ عليهم، دون من انقَرَضَت مذاهبُهم.
ب- ألا يَترُك العزائِمَ رأسًا بحيث يخرجُ عن رِبقةِ التكليف الذي هو إلزامُ ما فيه كُلفةٌ.
4- وقَيَّد ابن تيميَّة الجوازَ بأن يكون على سبيلِ اتِّباعِ الأرجَحِ بدليله، وفي ذلك يقولُ:
"من التزم مذهبًا معَيَّنًا ثم فعل خلافَه من غير تقليدٍ لعالم آخَرَ أفتاه، ولا استدلالٍ بدليلٍ يقتضي خلافَ ذلك، ومن غير عذرٍ شَرعيٍّ يبيحُ له ما فعله؛ فإنه يكونُ متَّبِعًا لهواه، وعاملًا بغير اجتهادٍ ولا تقليدٍ، فاعلًا للمُحَرَّمِ بغيرِ عُذرٍ شَرعيٍّ، فهذا منكَرٌ.
وأمَّا إذا تبَيَّن له ما يوجِبُ رُجحانَ قَولٍ على قولٍ، إمَّا بالأدِلَّةِ المفَصَّلة إن كان يعرِفُها ويفهَمُها، وإمَّا بأن يرى أحَدَ رجُلَين أعلَمَ بتلك المسألة من الآخَرِ، وهو أتقى لله فيما يقولُه، فيرجع عن قَولٍ إلى قولٍ لِمثل هذا؛ فهذا يجوز بل يجِبُ، وقد نصَّ الإمامُ أحمد على ذلك"(40).
5- أمَّا مجمَعُ الفِقهِ الإسلاميُّ فقد نصَّ على أنَّ الرُّخَصَ في القضايا العامَّة تُعامَل معاملةَ المسائِلِ الفقهيَّة الأصليَّة إذا كانت محقِّقةً لمصلحةٍ معتَبَرةٍ شرعًا، وصادرةً عن اجتهادٍ جماعيٍّ ممن تتوافر فيهم أهليَّةُ الاختيارِ، ويتَّصِفون بالتقوى والأمانة العلميَّة.
ونصُّوا على أنَّه لا يجوزُ الأخذُ برُخَصِ الفقهاء لمجرَّدِ الهوى؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى التحلُّلِ من التكليفِ، وإنما يجوز الأخذُ بالرُّخَصِ وَفقَ الضوابطِ الآتيَة(41):
• أن تكونَ أقوالُ الفقهاء التي يُترخَّصُ بها معتَبَرةً شَرعًا، ولم توصَفْ بأنَّها من شواذِّ الأقوالِ.
• أن تقومَ الحاجةُ إلى الأخذِ بالرُّخصةِ دفعًا للمشَقَّةِ، سواءٌ أكانت حاجةً عامَّةً للمجتَمَعِ أم خاصَّةً أم فرديَّة.
• أن يكونَ الآخِذُ بالرُّخَصِ ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتَمِدَ على من هو أهلٌ لذلك.
• ألا يترتَّبَ على الأخذِ بالرُّخَصِ الوقوعُ في التلفيقِ الممنوعِ.
• ألَّا يكونَ الأخذُ بذلك القولِ ذريعةً للوصول إلى غرضٍ غيرِ مشروع.
• أن تطمَئِنَّ نفسُ المترخِّصِ للأخذِ بالرُّخصة.
وهذا الأخيرُ هو ما يظهر رجحانُه -والله أعلم- فلا ينبغي إطلاقُ القَولِ بالمنع ولا بالجوازِ، بل الظَّاهِرُ أنَّ القائلين بالمنعِ يبيحون الترَخُّصَ بالضَّوابطِ المذكورة ولو لم يصرِّحوا بذلك، وكذا المجيزون لا يجيزون إلا بمراعاةِ الضوابط المذكورة، فتكونُ المسألةُ -مع مراعاة تحريرِ محَلِّ النـزاعِ- قريبةً لأن تكونَ مَحَلَّ اتفاقٍ، وأن حقيقةَ الخلاف إنما هي فيما بُنِيَت عليه مسألةُ تَتَبُّع الرُّخَصِ، وهي مسألةُ التزامِ العامِّي مذهبًا مُعَيَّنًا.
• ثمرةُ الخلاف:
ذكر الزَّركشي أنَّ من فروع المسألة: هل يجوزُ للشَّافعي مثلًا أن يشهَدَ على الخَطِّ عند المالكيِّ الذي يرى العَمَلَ به أم لا ؟ صرَّح ابنُ الصبَّاغِ بأنَّه لا يجوز، وهو ظاهِرُ كلامِ الشافعيَّة؛ فإنهم قالوا: ليس له أن يشهَدَ على خَطِّ نَفْسِه، والظَّاهِرُ الجوازُ إذا وَثِقَ به وقَلَّد المخالف، ويدل عليه: تصحيحُ النووي قبولَ شهادةِ الشَّاهدِ على ما لا يعتَقِدُه؛ كالشَّافعيِّ يَشهَدُ بشُفعةِ الجوار.
وذكر من الفروعِ: أنَّ الحنفيَّ إذا حكَمَ للشافعيِّ بشُفعةِ الجوارِ، هل يجوزُ له أم لا؟ فيه وجهان أصحُّهما: الحِلُّ، وهذه المسألة تشَكِّلُ على قاعدتهم في كتابِ الصَّلاةِ أنَّ الاعتبارَ بعقيدة الإمامِ لا المأمومِ(42).
• سبب الخلاف:
لعلَّ الخلافَ في المسألةِ عائدٌ إلى أمرين:
الأول: التلفيقُ؛ فعلى القَولِ بمنع التلفيق يُمنَعُ من تَتَبُّع الرُّخَصِ، وعلى القَولِ بجواز التلفيقِ يتخرَّجُ الخلافُ في تَتَبُّع الرُّخَصِ.
الثاني: -وهو الأقرَبُ- هل يجِبُ على العامِّي التزامُ مذهَبٍ معَيَّنٍ؟
فمن قال بوجوبِ ذلك: منع تتبُّعَ الرُّخَصِ، ومن قال بعَدَمِ وجوبِ التزامِ مَذهَبٍ معَيَّنٍ، وأنَّه يجوزُ مخالفةُ إمامه في بعض المسائل؛ أجرى الخلافَ في تتبُّعِ الرُّخَصِ(43).
وكذا تتبُّعُ المجتَهِدِ للرُّخَصِ يمكن أن تُبنى على مسألةِ تقليد العالِم للعالِم؛ فمن منع، منع تَتَبُّعَ الرُّخَصِ، ومن أجاز أجرى الخلافَ فيه. والله أعلم.
هذا ما تيسَّر جمعُه وتحريرُه، وأسألُ الله أن يجعلَه خالصًا صوابًا، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّم، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
---------------------------------
(1) انظر: جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني (2/400)، البحر المحيط (8/375-381)، الموافقات (5/79)، شرح تنقيح الفصول (ص432)، إرشاد الفحول (2/367)، التحبير (8/4090)، تيسير التحرير (4/254)، فواتح الرحموت (2/406).
(2) معجم مقاييس اللغة (ص447)، وانظر مادة (رخص) في: المصباح المنير (ص85)، القاموس المحيط (ص800).
(3) انظر: الإحكام للآمدي (1/132)، شرح العضد (2/7)، شرح الكوكب المنير (1/478)، أصول السرخسي (1/117).
(4) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام (2/786).
(5) انظر: البحر المحيط (8/381).
(6) شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني (2/400).
(7) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/20)، بلغة السالك (1/19).
(8) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (ص159-160).
(9) التقليد في الشريعة الإسلاميَّة، د. عبد الله الشنقيطي (ص147).
(10) أومأ إلى شيء من ذلك العطار في حاشيته على شرح المحلي (2/442).
(1) انظر: فواتح الرحموت (2/406).
(12) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيميَّة (20/220).
(13) انظر: إعلام الموقعين (4/162).
(14) انظر: قواطع الأدلة (5/134)، المستصفى (2/391)، جمع الجوامع (2/400)، الموافقات (5/82)، البحر المحيط (8/382)، التحبير (8/4090)،
إعلام الموقعين (4/162)، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام (ص208).
(15) انظر: مراتب الإجماع (ص58)، جامع بيان العلم (2/927).
(16) انظر: المسودة (ص518)، إعلام الموقعين (4/162)، التحبير (8/4093).
(17) انظر: شرح المحلي على الجمع (2/400)، البحر المحيط (8/381).
(18) انظر: المسودة (ص519)، وعن رأي القاضي قال ابن مفلح: (وفيه نظر). انظر: أصول ابن مفلح (4/1564).
(19) انظر: المسودة (ص518)، أصول ابن مفلح (4/1564).
(20) انظر: البحر المحيط (8/381)، شرح المحلي على الجمع (2/400).
(21) انظر: الموافقات (5/82).
(22) انظر: الموافقات (5/83)، حاشية العطار (2/442).
(23) انظر: الموافقات (5/102-103).
(24) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/356)، وإسناده حسن.
(25) أخرجه البيهقي في الكبرى (10/356)، وإسناده ضعيف، وله شواهد ومتابعات، انظر: تلخيص الحبير (3/187).
(26) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/356) وإسناده صحيح، وانظر: سير أعلام النبلاء (13/465).
(27) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/927) وإسناده صحيح، وانظر: المسودة (ص518-519).
(28) انظر: المبسوط (7/258)، تيسير التحرير (4/254)، فواتح الرحموت (2/406)، التقرير والتحبير (3/351).
(29) من الآيَة (185) من سورة البقرة.
(30) من الآيَة (78) من سورة الحج.
(31) متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (برقم3560)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل (برقم 6045).
(32) انظر: نفائس الأصول (9/4149)، التقرير والتحبير (3/29).
(33) انظر: الموافقات (5/99).
(34) انظر: التقرير والتحبير (3/469)، فواتح الرحموت (2/406).
(35) انظر: فواتح الرحموت (2/406).
(36) انظر: الموافقات (5/67-68-93).
(37) انظر: قواعد الأحكام (2/135-136)، نفائس الأصول (9/4148)، حاشيَة العطار (2/442) ونقله عن العز بن عبد السلام في فتاويه.
(38) انظر: نفائس الأصول (9/4149)، ونقله عنه الإسنوي في التمهيد (ص528).
(39) انظر: حاشيَة العطار (2/442).
(40) مجموع الفتاوى (20/220-221).
(41) انظر: قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (ص160).
(42) انظر: البحر المحيط (8/383).
(43) انظر البحر المحيط (8/375)، تيسير التحرير (4/254)، فواتح الرحموت (2/406).
انتهى من كلام: الشيخ هشام السعيد
وكتب اخونا الشيخ: وليد بن فهد الودعان
مقالاً جميلاً يحسن الأطلاع عليه لكل طالب علم …👇👇👇
وهو بعنوان :
تتبع رخص المذاهب
أصل الكلمة رخص، وهو أصل صحيح يدل على اللين والتسهيل، ومنه الرُّخْص بالضم، وهو ضد الغلاء، والرَّخص بالفتح: الشيء الناعم، والرخصة في الأمر: خلاف التشديد[1].
والمقصود بالرخصة هنا هو المعنى اللغوي، فرخص العلماء هي:
الأقوال التي تتميز باليسر والتخفيف، ولكنها مخالفة لصحيح الأدلة الشرعية؛ فهي أهون وأيسر الأقوال بين المختلفين.
وصورة المسألة
:
أن يعمِد المجتهد في كل مسألة مختلف فيها إلى أهون الأقوال فيها وأيسرها، معرضًا عن صحة أدلتها، بل تراه يتعلق في اختياراته بما هو أوهى من بيت العنكبوت؛ فأقواله لم تُبْنَ على قواعد الشريعة، واختياراته على شفا جُرف هارٍ.
وفي معنى الرخص: الأخذ بنوادر العلماء، وهو على قسمين:
الأول
:
الأقوال المرجوحة.
والثاني
:
الأقوال الشاذة، وهي التي تُدْعى بزلات العلماء[2]، وقد نقل عن الأوزاعي قوله: "من أخذ بنوادر العلماء، خرج من الإسلام"[3].
ولما للمسألة من أهمية بالغة، تعرَّض لها الشَّاطبي مبينًا فيها الحق الذي لا محيد عنه، موضحًا حكم تتبعها والتقاطها بالنسبة للمجتهد، وفيما يلي نعرض لرأيه في المسألة.
رأي الشَّاطبي:
تتبع الرخص - كما بين الشَّاطبي - إنما هو نابع من جراء اتباع الهوى؛ فالهوى يُفضي بأصحابه إلى أن يتتبعوا التساهيل والتراخيص على النفس وعلى الآخرين؛ ولذا تراه يأخذ لنفسه أو يفتي قريبه أو صديقه بما لا يفتي به غيره؛ اتباعًا لشهوته، أو لرغبة ذلك القريب والصديق[4].
وقد ذكر الشَّاطبي، نقلًا عن ابن حزم والباجي، الإجماع على تحريم تتبع الرخص من غير استناد إلى دليل شرعي، وأن ذلك فسق لا يحل[5]؛ لأن ذلك مؤدٍّ إلى إسقاط التكليف في الأوامر والنواهي، وانحلال عزائم المكلفين عن الأخذ بالعزائم[6].
قال الشَّاطبي
:
"فإذا صار المكلف في كل مسألة عنَّتْ له يتبع رخص المذاهب، وكل قول وافق هواه، فقد خلع ربقة[7] التقوى، وتمادى في متابعة الهوى، ونقض ما أبرمه الشارع، وأخَّر ما قدمه"[8].
وقال أيضًا: "تتبع الرخص ميلٌ مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه، ومضاد أيضًا لقوله تعالى: ﴿
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
﴾ [النساء: 59]، وموضع الخلاف موضع تنازع، فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة، وهي تبين الراجح من القولين، فيجب اتفق للغرض"[9].
ولا شك أن تتبع الرخص في القضاء أشد منه حق النفس، وفي ذلك كما في الموازية[10]: (كتب عمر بن الخطاب: لا تقضِ بقضاءين في أمر واحد؛ فيختلفَ عليك أمرك)[11].
وقال ابن المواز: "لا ينبغي للقاضي أن يجتهد في اختلاف الأقاويل، وقد كره مالك ذلك ولم يجوِّزْه لأحد، وذلك عندي أن يقضي بقضاء بعض من مضى، ثم يقضي في ذلك الوجه بعينه على آخر بخلافه، وهو أيضًا من قول من مضى، وهو في أمر واحد، ولو جاز ذلك لأحد لم يشأ أن يقضي على هذا بفتيا قوم، ويقضي في مثله بعينه على قوم بخلافه بفتيا قوم آخرين إلا فعل، فهذا ما قد عابه مَن مضى، وكرهه مالك، ولم يرَه صوابًا"[12].
ويعلق الشَّاطبي على ذلك فيقول: "وما قاله صواب؛ فإن القصد من نصب الحكام رفعُ التشاجر والخصام، على وجه لا يلحق فيه أحدَ الخصمين ضررٌ مع عدم تطرق التهمة للحاكم، وهذا النوع من التخيير مضادٌّ لهذا كله"[13].
وتتبُّع الرخص - حتى في أمر النفس، سواء في عبادة المكلف أو عادته - أمرٌ مخالف للشرع، ناقض لقواعده، مخرجٌ عن صراط الله المستقيم.
يقول الشَّاطبي عن تعلق الناس بالرخص: "ولقد وجد هذا في الأزمنة السالفة فضلًا عن زماننا، كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعًا للغرض والشهوة، وذلك فيما لا يتعلق به فصل قضية، وفيما يتعلق به ذلك"[14].
وقد ضرب الشَّاطبي أمثلة واقعية على تتبع الناس للرخص والتساهيل واتباعهم لأهوائهم، ومن ذلك:
ما حكى القاضي عياض أن البهلول بن راشد أتاه ابن فلان[15]، فقال له بهلول: "ما أقدمك؟"، قال: "نازلة رجل ظلمه السلطان فأخفيته وحلفت بالطلاق ثلاثًا ما أخفيته"، قال له البهلول: "مالك يقول: إنه يحنث في زوجته، فقال السائل: وأنا قد سمعته يقول، وإنما أردت غير هذا، فقال: "ما عندي غير ما تسمع"، فتردد إليه ثلاثًا، كل ذلك يقول له البهلول قوله الأول، فلما كان في الثالثة أو الرابعة قال له البهلول: "يا بن فلان، ما أنصفتم الناس إذا أتوكم في نازلة قلتم: قال مالك، فإن نزلت بكم النوازل، طلبتم لها الرخص، الحسن يقول: لا حِنث عليه في يمينه، فقال السائل: "الله أكبر! قلدها الحسن"، أو كما قال[16].
ومن ذلك أيضًا ما حكى أحمد بن عبدالبر: "أن قاضيًا من قضاة قرطبة كان كثير الاتباع ليحيى بن يحيى - يعني الليثي - لا يعدل عن رأيه إذا اختلف عليه الفقهاء، فوقعت قضية تفرد فيها يحيى، وخالف جميعَ أهل الشورى، فأرجأ القاضي القضاء فيها حياءً من جماعتهم، وردفته قضية أخرى كتب إلى يحيى فيها، فصرف يحيى رسوله، وقال له: "لا أشير عليه بشيء؛ إذ توقف على القضاء لفلان بما أشرت عليه، فلما انصرف عنه إليه رسوله وعرفه بقوله قلق منه، وركب من فوره إلى يحيى، وقال له: "لم أظن أن الأمر وقع منك هذا الموقع، وسوف أقضي له غدًا إن شاء الله"، فقاله له يحيى: "وتفعل ذلك صدقًا؟"، قال: "نعم"، قال له: "فالآن هيجت غيظي؛ فإني ظننتُ إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيرًا لله، متخيرًا في الأقوال، فأما إذ صرتَ تتبع الهوى وتقضي برضا مخلوق ضعيف، فلا خيرَ فيما تجيء به، ولا فيَّ إن رضيته منك، فاستعفِ من ذلك؛ فإنه أستر لك، وإلا رفعت في عزلك"، فرفع يستعفي، فعُزل[17].
ومن ذلك أيضًا قصة محمد بن يحيى بن لبابة التي ذكرت في اتباع الهوى[18]؛ فإنها موافقة أيضًا لهذا المعنى.
ونقل الشَّاطبي عن الباجي قوله: "وربما زعم بعضهم أن النظر والاستدلال الأخذ من أقاويل مالك وأصحابه بأيها شاء دون أن يخرج عنها ولا يميل إلى ما مال منها لوجه يوجب له ذلك، فيقضي في قضية بقول مالك، وإذا تكررت تلك القضية كان له أن يقضي فيها بقول ابن القاسم مخالفًا للقول الأول لا لرأي تجدد له، وإنما ذلك بحسَب اختياره"[19].
ويحكي الباجي عمن يثق به أنه اكترى جزءًا من أرض على الإشاعة[20]، ثم إن رجلًا آخر اكترى[21] باقي الأرض، فأراد الأول أن يأخذ بالشفعة[22] وغاب عن البلد، فأفتى المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك أنه لا شفعة في الإجارات[23]، قال المكتري الأول: فوردت من سفري فسألت أولئك الفقهاء، وهم أهل حفظ في المسائل وصلاح في الدين عن مسألته، فقالوا: "ما علمنا أنها لك، إذا كانت لك المسألة أخذنا لك برواية أشهب عن مالك بالشفعة فيها، فأفتاني جميعهم بالشفعة، فقضى لي بها".
وينقل الباجي عن أحدهم - وهو فقيه وصفه بالشهرة والحفظ - قوله: "إن الذي لصديقي عليَّ إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه"[24].
وهكذا تتلاعب الأهواء بهؤلاء المتفقهة، ويلبس عليهم الشيطان فيعملون ويفتون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولو علموا أن هذا لا يجوز لما فعلوه، ولكن الجهل بالشيء يوقع الإنسان في حبائل الشيطان.
قال الباجي: "ولو اعتقد هذا القائل أن مثل هذا لا يحل له ما استجازه، ولو استجازه لم يعلن به، ولا أخبر به عن نفسه"[25].
وقال: "وكثيرًا ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان، ونحوها: لعل فيها رواية، أو لعل فيها رخصة، وهم يرون أن هذا من الأمور الشائعة الجائزة، ولو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا به ولا طلبوه مني، ولا من سواي، وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز ولا يسوغ ولا يحلُّ لأحد أن يفتي في دين الله إلا بالحق الذي يعتقد أنه حق، رضي بذلك من رضيه، وسخطه من سخطه، وإنما المفتي مخبر عن الله تعالى في حكمه، فكيف يخبر عنه إلا بما يعتقد أنه حكَم به وأوجبه، والله تعالى يقول لنبيه - عليه الصلاة والسلام -: ﴿
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
﴾ [المائدة: 49]؟ فكيف يجوز لهذا المفتي أن يفتي بما يشتهي، أو يفتي زيدًا بما لا يفتي به عمْرًا لصداقة تكون بينهما، أو غير ذلك من الأغراض؟ وإنما يجب للمفتي أن يعلم أن الله أمره أن يحكم بما أنزل الله من الحق، فيجتهد في طلبه، ونهاه أن يخالفه وينحرف عنه، وكيف له بالخلاص مع كونه من أهل العلم والاجتهاد إلا بتوفيق الله وعونه وعصمته"[26].
ويذكر الشَّاطبي أن كثيرًا ممن يتعلق بالرخص يستند إلى أصل ليس بالأصيل، وهو ظنه أن الخلاف بين الأمة رحمة وتوسعة، بل جعل بعضهم الخلاف دليلًا على الإباحة، فما إن يرى المجتهد أو المفتي في المسألة خلافًا إلا ويعتمد القول بالجواز دون دليل شرعي، وترى بعض هؤلاء إن أفتي بالمنع اعترض، وقال: لِمَ تمنع المسألة وهي مختلف فيها؟! وهذا عين الخطأ على الشريعة؛ حيث جعل ما ليس بدليل دليلًا، وما ليس بمعتمد معتمدًا.
وقد حكى الخطابي في مسألة البِتْع[27] عن بعض الناس قوله: "إن الناس لما اختلفوا في الأشربة، وأجمعوا على تحريم خمر العنب، واختلفوا فيما سواه، لزمنا ما أجمعوا على تحريمه، وأبحنا ما سواه"، ثم أعقبه بقوله: "وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول"، وقال: "ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل، للزم مثله في الربا، والصرف، ونكاح المتعة؛ لأن الأمة قد اختلفت فيها"، وقال أيضًا: "وليس الاختلاف حجة، وبيان السنَّة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين"[28].
ولا شك أن من صنع هذا فهو متبع لهواه، مقتفٍ أمر شهوته، غافل عن أمر ربه ومولاه، فتراه أقرب إلى أن يكون ممن اتخذ إلهه هواه[29].
واستنَد بعض هؤلاء إلى أصل آخر، وهو أن الضرورات تبيح المحظورات، وإذا نزلت بالإنسان نازلة عدها ضرورة تبيح التخير بين الأقوال، ولا شك أن مجال الضرورات معلوم في الشريعة، وليس هذا منها، بل هو مطيةٌ إلى موافقة الهوى[30].
ولهذا أيضًا تعلَّق أقوام بأخف الأقوال في كل خلاف؛ بحجة أن الشريعة تدعو إلى اليسر والسهولة، وهذا في حقيقته نابع من تتبع الرخص، والاستناد إلى الأقوال لا إلى الأدلة[31].
وقد ذكر الشَّاطبي جملة من المفاسد الحاصلة من تتبع الرخص سوى ما سبق، ومنها: الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الأقوال مجردة عن الأدلة، فتكون آراء الرجال حاكمةً على نصوص الشرع.
ومنها: الاستهانة بالدين؛ إذ يصير بهذا الاعتبار سيالًا لا ينضبط، وحينئذ فلا يرى صاحب الهوى إلا ما يهوى[32].
إلى غير ذلك من المفاسد الحاصلة من تتبع الرخص.
والحاصل أن الشَّاطبي قد وقف موقفًا صارمًا من تتبع الرخص، وقد وافق الشَّاطبي في رأيه هذا ما نقل من إجماع الأمة؛ فقد نقل الإجماع على تحريم تتبع الرخص أبو عمر بن عبدالبر[33]، كما نقل الإجماع على تحريم اتباع الهوى والفتوى بالتشهي جماعة من العلماء؛ كابن حزم[34]، والباجي[35]، وابن الصلاح[36]، والنووي[37]، وابن حمدان[38]، وابن القيم[39]، وتتبع الرخص من ذلك ولا ريب، وعلى التحريم تتابعت أقوال العلماء[40]، بل عد ابن الجوزي ذلك من تلبيس الشيطان على الفقهاء[41].
وقال سليمان التيمي: "إن أخذت برخصة كل عالم، اجتمع فيك الشرُّ كلُّه"[42].
وكذلك الحال لو أخذ المجتهد برخص الشرع.
وقد سمى أبو يعلى المجتهد المتتبع للرخص دون أن يؤدي اجتهادُه إليها فاسقًا؛ لأنه ترك ما هو الحكم عنده، واتبع الباطل[43]، وعده ابن القيم من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر، وقال: "ولا يجوز له إذا كان في المسألة قولان؛ قول بالجواز وقول بالمنع، أن يختار لنفسه قول الجواز، ولغيره قول المنع"[44].
ولا يعارض هذا ما ذكر عن الثوري أنه قال: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد"[45]؛ لأن معنى ذلك الرخصة التي لا شبهة فيها، ولا تجر إلى مفسدة لتخليص مستفتٍ وقع في ورطة من يمين ونحو ذلك، فذلك حسن جميل، ويدل عليه قول الله تعالى لأيوب - عليه السلام -: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}[46][ص: 44]، وحديث: ((بِعِ الجَمْعَ[47] بالدراهم، ثم ابتَعْ بالدراهم جَنيبًا[48]))[49].
فهذه رخصة شهد لها الشرع، ولا محذور فيها[50].
أدلة الشَّاطبي ومن وافقه:
استدل الشَّاطبي على تحريم تتبع الرخص بما يلي:
الدليل الأول
:
أن تتبُّع الرخص يفضي إلى تتبع ما تهواه النفس، وقد نهى الشرع عن اتباع الهوى جملة وتفصيلًا، وفي القرآن الكريم ضابط قرآني ينفي اتباع الهوى، وهو قوله تعالى: ﴿
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
﴾ [النساء: 59]؛ فقد أمر الله بالردِّ إلى الشرع لا إلى الهوى[51].
الدليل الثاني
:
أنه قد نقل الإجماع على تحريم تتبع الرخص؛ نقله ابن حزم وغيره، وأن ذلك فسق لا يحل[52].
الدليل الثالث
:
أن تتبع الرخص من تتبع الهوى، وفيه تعطيل للتكاليف الشرعية[53].
أدلة مَن يرى تتبع الرخص من منظور الشَّاطبي:
ذكر الشَّاطبي بعض الأدلة التي يستدل بها من يرى جواز تتبع الرخص، ثم أجاب عنها، وهي كما يلي:
الدليل الأول
:
أن الخلاف رحمة، وبما أن الخلاف واقع، ففيه سَعة على الأمة؛ فلا يجوز التحجير على رأي واحد، وهذا عمر بن عبدالعزيز، والقاسم بن محمد، وغيرهما، يرون أن في الخلاف سَعة[54].
جوابه
:
أجاب الشَّاطبي عن هذا الدليل: "بأن المراد بقولهم: الخلاف رحمة، ليس ما ذكرتم، وإنما مرادهم أنه فتح للناس باب النظر والاجتهاد، وليس صحيحًا أن يكون المراد اختيار الناس بآرائهم المجردة؛ إذ هذا سيرٌ على محض الهوى، ومبطِل للشريعة كلها[55].
الدليل الثاني
:
أن في اختيار الأقوال الميسرة على الناس تحقيقًا لرفع الحرج عن الأمة، وقد جاءت الشريعة برفعه، كما أنه من باب الضرورة، والشريعة جاءت برفع الضرورة، وأن الضرورات تبيح المحظورات[56].
جوابه: أجاب عنه الشَّاطبي:
بأن هذا مِن قائله جهلٌ بما وضعت الشريعة لأجله؛ فالشريعة التي جاءت برفع الحرج ورفع الضرورة جاءت بأمر الناس بمخالفة أهوائهم واتباع الدليل، وجاءت بالضوابط الشرعية التي تضبط للناس أحوالهم وأفعالهم؛ ولذا فهذا الموضع ليس من رفع الحرج، ولا من باب رفع الضرورة بحال، بل هو مخالف لما ثبت قطعًا من ترك الهوى، وفَتْحُ هذا الباب للناس سبيلٌ إلى الوقوع في الهوى المذموم، وطريق إلى سقوط التكليف عن الناس[57].
الدليل الثالث
:
أن الشريعة جاءت باليُسر والسهولة؛ كما في قوله تعالى: ﴿
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
﴾ [البقرة: 185]؛ فالشريعة تنفي كل ثقيل؛ ولذا فاتباع القول الميسر مما جاءت الشريعة به[58].
جوابه
:
أجاب الشَّاطبي عن هذا الدليل: بأن الشريعة التي جاءت بالتيسير هي الشريعة التي جاءت بذم اتباع الهوى، ولا شك أن الأخذ بالأقوال الميسرة مفضٍ إلى اتباع الهوى، وإلى انخرام التكليف، وفي ذلك كله انخرام للدين، وهذا باطلٌ؛ فما أدى إليه باطل أيضًا[59].
______________
[1] انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 500) القاموس المحيط (800) كلاهما مادة: "رخص".
[2] انظر: عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق (222).
[3] رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الشهادات باب ما تجوز به شهادة أهل الأهواء (10/ 211).
[4] انظر: الموافقات (5/ 84).
[5] انظر: الموافقات (5/ 82، 91)، وانظر: مراتب الإجماع (51).
[6] انظر: الموافقات (1/ 507 - 508، 5/ 83).
[7] الربق بكسر الراء: حبل فيه عدة عرى يشد به البهم، وربقة بالكسر والفتح جمعها رقب كعنب، وربقه: جعل رأسه في الربقة، يعني في الحبل، ومن المجاز قولهم: ربقة التقوى؛ أي: حبل التقوى؛ انظر: أساس البلاغة (152) القاموس المحيط (1143) مادة "ربق".
[8] الموافقات (3/ 123).
[9] الموافقات (5/ 99).
[10] الموَّازية: اشتهرت باسم مؤلفها المعروف بابن المواز، والموازية من أمَّات كتب المالكية، وهي - كما قال القاضي عياض - أجلُّ كتب المالكية القدامى، وأصحها مسائل، وأبسطها كلامًا وأوعبها، ورجحها القابسي على سائر الأمَّات، وذكر أن صاحبه قصد إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم في تصنيفه، وغيره إنما قصد جمع النصوص والروايات، وقد ألف عليها بعض الشروح، وتوجد بعض القطع المخطوطة منها؛ انظر: ترتيب المدارك (1/ 406) الديباج المذهب (220، 233) دراسات في مصادر الفقه المالكي (151) شجرة النور (108) الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي ومصطلحاته (284).
[11] انظر: الموافقات (5/ 85)، وأما الأثر فلم أقف عليه، ولكن جاء في المرفوع بلفظ: ((لا يقضيَنَّ أحد في قضاء بقضاءين))؛ رواه النسائي في سننه كتاب آداب القضاة، النهي عن أن يقضي في قضاء بقضاءين (8/ 247/ 5421) والطبراني في المعجم الكبير - كما في مجمع الزوائد (4/ 199) عن أبي بَكرة نُفيع بن الحارث - رضي الله عنه، وقال الهيثمي: "رجاله ثقات"، وصححه الألباني في إرواء الغليل (8/ 253).
[12] الموافقات (5/ 85 - 86).
[13] الموافقات (5/ 86).
[14] الموافقات (5/ 84).
[15] هو عبدالرحيم بن أشرس، كما في ترتيب المدارك (1/ 188).
[16] انظر: الموافقات (5/ 84 - 85)، وهي في ترتيب المدارك (1/ 188).
[17] الموافقات (5/ 86)، والقصة في ترتيب المدارك (1/ 312 - 313).
[18] انظر: (ص 451 - 453) من هذا البحث.
[19] الموافقات (5/ 90).
[20] الإشاعة: أصلها شيع، ولها معنيان: أحدهما معاضدة ومساعفة، والثاني بث وإشادة، والمناسب هنا هو المعنى الثاني، يقال: شاع الحديث إذا ذاع الحديث وانتشر، ومن هذا الباب قولهم: له سهم شائع؛ أي: غير مقسوم، وكأن من له سهم ونصيب انتشر في السهم حتى أخذه؛ انظر: معجم مقاييس اللغة (3/ 235) المصباح المنير (1/ 329) مادة: "شيع".
[21] اكترى: أصلها كرى، والكِراء بكسر الكاف: الأجرة، وهو مصدر من كاريته، والفاعل مكارٍ، وأكريته الدار؛ أي: أجرته إياها؛ انظر: القاموس المحيط (1712) المصباح المنير (2/ 532) مادة "كرى".
[22] الشفعة: أصلها من شفع، وهو أصل يدل على مقارنة الشيئين، ومن ذلك الشفع خلاف الوتر، والشفعة في الاصطلاح: استحقاق الشريك انتزاعَ حصة شريكه المنتقل عنه مِن يد مَن انتقلت إليه؛ انظر: المغني (7/ 435) الحدود والأحكام الفقهية لمصنفك (107) شرح حدود ابن عرفة (2/ 474) المطلع على أبواب المقنع (278) أنيس الفقهاء (271) القاموس الفقهي (198) معجم لغة الفقهاء (264).
[23] انظر: الذخيرة (7/ 302).
[24] نقله الشاطبي في الموافقات (5/ 90) نقلًا عن كتاب التبيين لسنن المهتدين للباجي، ونقله ابن الصلاح في أدب الفتوى (87 - 88) وابن حمدان في صفة الفتوى (41) وابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 162).
[25] نقله عنه في الموافقات (5/ 90).
[26] نقله عنه في الموافقات (5/ 90 - 91).
[27] البِتْع بكسر الباء وسكون التاء وقد تحرك: نبيذ العسل المشتد، وهو خمر أهل اليمن؛ انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 94) القاموس المحيط (905) مادة: "بتع".
[28] أعلام الحديث (3/ 2091 - 2092).
[29] انظر: الموافقات (5/ 92 - 94) الاعتصام (2/ 510).
[30] انظر: الموافقات (5/ 99).
[31] انظر: الموافقات (5/ 104) وللمسألة انظر: المعتمد (2/ 940) التلخيص (3/ 135) المستصفى (2/ 216) المحصول (6/ 159) السراج الوهاج (2/ 993) نفائس الأصول (9/ 4074) شرح تنقيح الفصول (452) نهاية الوصول (8/ 4036) المسودة (490) شرح العضد على مختصر المنتهى (2/ 43) نهاية السول مع مناهج العقول (4/ 379) جمع الجوامع مع شرح المحلي والآيات البينات (4/ 261) البحر المحيط (6/ 31) تشنيف المسامع (3/ 430) تقريب الوصول (395).
[32] انظر: الموافقات (5/ 102).
[33] انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 92).
[34] انظر: مراتب الإجماع (51) ونقله عنه الشاطبي في الموافقات (5/ 82).
[35] نقله في التبيين لسنن المهتدين، وعنه نقل الشاطبي في الموافقات (5/ 91).
[36] انظر: أدب الفتوى (87).
[37] انظر: المجموع (1/ 79 - 80).
[38] انظر: صفة الفتوى (5/ 41).
[39] انظر: إعلام الموقعين (4/ 162).
[40] انظر: قواطع الأدلة (2/ 306 - 307، 353) أدب الفتوى (65) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام (250) المجموع (1/ 79 - 80) صفة الفتوى (31 - 32) إعلام الموقعين (4/ 170 - 171) التقرير والتحبير (3/ 341).
[41] انظر: تلبيس إبليس (169).
[42] رواه عنه مسندًا في جامع بيان العلم وفضله (2/ 91) وذكره في المسودة (519) وتهذيب الكمال (12/ 11) وسير أعلام النبلاء (6/ 198).
[43] انظر: المسودة (519) لوامع الأنوار (2/ 466).
[44] انظر: إعلام الموقعين (4/ 162).
[45] ذكره عنه في أدب الفتوى (67) صفة الفتوى (32) المجموع (1/ 80).
[46] الضِّغث: أصله في اللغة من ضغث، وهو أصل يدل على التباس الشيء بعضه ببعض، ومنه الضغث: وهو قبضة من قضبان أو حشيش مختلطة الرطب باليابس، وهو الشمراخ، وفيه مائة قضيب، وقد أمر الله نبيَّه أن يضرب زوجه به ضربة واحدة، فيفِيَ بيمينه؛ انظر: معجم مقاييس اللغة (3/ 363) القاموس المحيط (219) مادة: "ضغث" معالم التنزيل (7/ 96) تفسير القرآن العظيم (4/ 44).
[47] الجَمْع: هو الرديء من التمر، وسمي جمعًا؛ لأنه أخلاط جمعت، وقيل: كل لون من النخيل لا يعرف اسمه فهو جمع؛ انظر: غريب الحديث للخطابي (2/ 444) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 296) القاموس المحيط (917) مادة "جمع".
[48] الجنيب: قال الخطابي: الجنيب لون طيب من ألوان التمر، وفي القاموس "تمر جيد"، وقال ابن الأثير: نوع جيد معروف من أنواع التمر"؛ انظر: غريب الحديث للخطابي (2/ 444) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 304) القاموس المحيط (88) المصباح المنير (1/ 110) مادة "جنب".
[49] رواه البخاري في صحيحه كتاب البيوع باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه (3/ 46/ 2201 - 2202) ومسلم في صحيحه كتاب المساقاة باب بيع الطعام مثلًا بمثل (11/ 18/ 1593) رقم خاص 95).
[50] انظر: أدب الفتوى (67) المجموع (1/ 80) صفة الفتوى (32) إعلام الموقعين (4/ 171).
[51] انظر: الموافقات (5/ 81 - 82).
[52] انظر: الموافقات (5/ 82).
[53] انظر: الموافقات (2/ 298، 5/ 83).
[54] انظر: الموافقات (5/ 67 - 68، 94)، وانظر: عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق (97 وما بعدها).
[55] انظر: الموافقات (5/ 76) الاعتصام (2/ 395).
[56] انظر: الموافقات (5/ 94، 99).
[57] انظر: الموافقات (5/ 83، 94، 99).
[58] انظر: الموافقات (5/ 104) وانظر: نص رسالة الشيخ مرعي الكرمي في جواز التلفيق - مع التحقيق للسفاريني - (168) عمدة التحقيق (59).
[59] انظر: الموافقات (5/ 83، 105).
رابط موضوع الشيخ الودعان: https://www.alukah.net/sharia/0/118457/%D8%AA%D8%AA%D8%A8%D8%B9-%D8%B1%D8%AE%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D8%A7%D9%87%D8%A8/#ixzz7VsvAwKBV
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق